الاثنين، مارس 26، 2007

اللغة الوطنيّة في خطر!

Je dédie cet article à la plus merveilleuse des femmes, celle qui m'a fait découvrir Gaston Miron, et qui m'a fait découvrir ce que c'est d'aimer et d'être aimé..à ma femme .


اللغة الوطنيّة في خطر!


"اللغة هي أساس وجود شعب ما، لأنّها تعكس محصّلة ثقافته من رموز ومعاني ودلالات. اذا سُلِبَت منه لغته عُزل عن العالم وحُكِمَ عليه بالنسيان".

أطلق صرخة الفزع هذه غاستون ميرون، أحد أشهر شعراء الكيباك وأبرز رموز "الثورة الهادئة" التي شهدتها هذه المقاطعة الكنديّة في سبعينات القرن الماضي وانتهت بإعادة الإعتبار للفرنسيّة، لغة أغلبيّة سكّان المقاطعة. واليوم في تونس نعيش حالة شبيهة بما شهده الكيباك حيث كادت اللغة الفرنسيّة ان تندثر بسبب هيمنة الأنجليزيّة، لغة الأقليّة، على مختلف أوجه الحياة في المجتمع. اذ ضاعفت النتائج الثقافيّة للعولمة التي فُرضت علينا كبقيّة بلدان العالم الثالث من موقع الضعيف المُجبَر لا القويّ المُخيَّر من أزمة الإنتماء الثقافي التي ورثناها من حقبة الإستعمار الفرنسي، وكان من أبرز مظاهرها مسألة اللغة الوطنيّة وموقعها بين مدافع عن عروبة لسان الشعب التونسي وبين قائل، أو ممارس عن غير وعي، انّ العربيّة ليست لغتنا، وأنّه يجب استبدالها بلغة أخرى ك"التونسيّة" عند البعض والفرنسيّة أو غيرها من اللغات الأجنبيّة عند بعضٍ أخَرََ مُغالي.

ورغم انّ دستور البلاد كان واضحًا في اعتباره العربيّة "لُغَتها"، الاّ انّ هذه القضيّة كانت دائمًا محلّ جدال بين النخب المُثقّفة، متمحورة في الماضي القريب حول مكانة اللغة العاميّة بين من اعتبرها لغة متكاملة تعبّر عن خصوصيّة هويّة وتاريخ التونسيّين، وبين من رأى فيها ظاهرة ثقافيّة سلبيّة وجبت مقاومتها. وان بدا انّ خيار "التعريب" قد انتصر على مقولة "التَوْنَسة" في أواخر التسعينات من القرن الماضي، فإنّ الناظر لواقع الحال اليوم يلحظ الإنتشار السريع لظاهرة قديمة متجدّدة هي ظاهرة "الفرانكوآراب"، التي يبدو أنّها تجاوزت بحكم التحوّلات العميقة التي شهدها المجتمع في العشريّة الفارطة كلتًا المقولتيْن السابقتَيْن.

"الفرانكوآراب": أبرز مظاهر التخلّف الثقافي لدى الأجيال الجديدة

أخذت ظاهرة "الفرانكوآراب" حجمًا غير مسبوق في السنوات الأخيرة. ففي ظلّ أزمة التعليم بمختلف مستوياته، وفي مناخ اتّسم بمصادرة الحرّيات العامّة، وعلى رأسها الإعلاميّة، وما نتج عنه من خطاب اعلامي خشبي ممجوج، ظهرت وسائل اعلام خاصّة مرئيّة ومسموعة سرعان ما جذبت اليها معظم شرائح الشباب، وذلك لما تميّزت به هذه المنابر الجديدة، التي تُعدّ إذاعة "موزاييك آف آم" أهمّها، من خطاب مُبسَّط ، وهامش من الحرّية كان أوسع ممّا عهده النّاس في وسائل الإعلام الرسميّة، وان اقتصر على الرياضة وملامسة بعض القضايا الإجتماعيّة. لكن ما ينتقده الكثير من الملاحظون، وخاصّة منهم المنادون بتحصين الهويّة الثقافيّة للمجتمع أمام رياح العولمة العاتية، هو اللغة التّي يستعملها مقدّمو برامج هذه الإذاعة وغيرها من وسائل الإعلام الجديدة. اذ لا يفهم المرء لماذ يصرّ بعض هؤلاء على استعمال كلمات فرنسيّة للتعبير عن معان من السهل التعبير عنها بالعربيّة الدارجة كعبارة "موش normal " عوض "موش عادي" أو "donc " عوض "لذا" وغيرها ممّا شاع استعماله لدى عديد الناس...، وعادة ما يكون التبرير انّهم يتكلّمون كما يتكلّم التونسيّون اليوم. وبغضّ النظر عن مدى صحّة هذا الإنطباع ومدى وجاهة فكرة انسياق وسائل الإعلام وراء المزاج العام، لا يمكن للمرء الاّ ان يُستَفَزّ عندما يسمع مذيعة تقول "partout dans le monde" عوض "في كلّ العالم" أو " réponse " عوض "اجابة"، بما يعني انّ وسائل الإعلام هذه لا تكتفي بعكس هذه الظاهرة الإجتماعية وانّما تكرّسها وتزيد من تفاقمها. انتشرت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ أيضًا في الإعلانات الإشهاريّة سواءً في وسائل الإعلام أو في الطريق العام، كما أنّها سهّلت "تأقلم" مستعملي الأنترنات التونسيّين مع الهيمنة شبه الكلّية للغة الفرنسيّة على معظم مواقع الواب ومنتديات النقاش. لكن الجديد والخطير في الأمر هو تسلّلها مؤخّرًا الى وسائل الإعلام العموميّة، اي التلفزة والإذاعة الوطنيّيتين وقناة واذاعة الشباب، التي بقيت الى ماضٍ قريب تدافع عن استعمال اللغة العربيّة بشقيّها الفصيح أو العامّي القريب من الفصيح.

يعتبر عالم الإجتماع التونسي الدكتور محمود الذّوادي "الفرانكوآراب" من أبرز تعبيرات ما يسمّيه "التخلّف الثقافي" أو "التخلّف الآخر" في كتابه عن "عولمة أزمة الهويّات في الوطن العربي والعالم الثالث"، الذي يرى انّه التجسيد المعاصر لقاعدة الغلبة والتقليد بين الشعوب والأفراد لإبن خلدون الذي كتب في مقدّمته :"المغلوب مولعٌ أبدًا بالإقتداء بالغالب، في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده" وانّ ذلك أمر مفهوم في مجتمع ينتمي الى أمّة مازالت لم تتعافى من آثار هزائمها الحضاريّة، ولم تهتد بعد الى الطريق لتجاوز تخلّفها في كلّ المجالات عن غيرها من الأمم. ولعلّ الإطلاّع على ما يجري في المجتمعات الأخرى في هذا الصدد يكون مفيدًا لفهم أوسع لهذه الظاهرة ومساعدًا على تنسيب الأمور ورؤيتها بشكل أكثر وضوحًا وموضوعيّة.

ظاهرة عالميّة تصدّت لها الأمم المتقدّمة بحزم

يتذكّر الكثيرون كيف وبّخ الرئيس الفرنسي جاك شيراك أحد وزرائه لأنّه تكلّم بلغة غير الفرنسيّة في احدى الندوات الصحفيّة خارج بلاده. هذا الموقف وغيره هو سليل تيّار متجذّر في النخب السياسيّة والثقافيّة الفرنسيّة رفع منذ عقود شعار "الإستثناء الثقافي الفرنسي" الذي أطلقه وزير الثقافة المفكّر أندريه مالرو في الخمسينات، اذ لطالما كان الدفاع عن اللغة الوطنيّة من أهمّ أولويات المثقّفين في فرنسا، وقد ساهم الكاتب آتيامبل في خلق حالة من الوعي والتيقّظ تجاه ظاهرة "الفرانجليزيّة" التي نبّه في كتاب شهيرله، من مخاطر انتشارها في المجتمع الفرنسي كنتيجة للإشعاع المتزايد للإنجليزيّة، كلغة علوم على وجه الخصوص، وبداية غزو مفردات هذه اللغة اللسان الفرنسي وتعويضها لكلمات موجودة في لغة موليير. وقد قامت حكومات فرنسا منذ السبعينات بإستحداث الهيئات والتشريعات التّي أكّدت على أولويّة اللغة الفرنسيّة في مختلف الميادين من تعليم واقتصاد واعلام عمومي وشبه عمومي واشهار وغيرها، وكان أشهرها القانون الذي صادق عليه الرئيس ميتيران سنة 1994 وحمل إسم وزيره توبون. ففي فرنسا تسهر "المفوضيّة العامّة للإصطلاح والإشتقاق" التابعة مباشرة لرئاسة الوزراء بالتعاون مع مؤسّسات عديدة أخرى على ابتكار ترجمات للمفردات الجديدة التي قد تظهر بالأنجليزيّة، ونشرها قبل ان تصير شائعة الإستعمل ويصعب التخلّص منها. اذ يُمنع مثلاً على المحلاّت ان تضع لافتات لا تحتلّ فيها الكتابة الفرنسيّة المكان الأبرز، وتُلزَم وسائل الإعلام العموميّة، أو الخاصّة التي تتلقى مساعدة مالية من الدولة، بإستعمال الفرنسيّة دون سواها، كما يجب ان تتضمنّ كلّ التظاهرات والمؤتمرات التي تُعقد في فرنسا ترجمة باللغة المحلّية وان كان منظّموها أجانب، وغير ذلك من الأمثلة التي لا تُحترَم في بلادنا رغم وجود بعض القوانين الخاصّة بذلك. نفس الشيء تقريبًا في مقاطعة الكيباك الكنديّة حيث سنّ رئيس وزرائها رينيه ليفاك سنة 1977 قانون "عدد 101" الشهير الذي أعاد للغة الفرنسيّة مكانتها كلغة رسميّة أولى رغم انّ 20 بالمائة من السكّان انغلوفونيّون. هكذا تدافع الأمم المتقدّمة عن لغتها وهويّتها الثقافيّة دون ان يجعل منها ذلك بلادًا متعصّبة، ولمن يجادل بانّ الفرنسيّة لغة منتشرة عالميًا ومواكبة للتطوّر العلمي على عكس العربيّة وأنّه من الطبيعي ان تكون لها مناعة ومرونة أكبرَين، هناك مثال الدول الآسكندنافيّة حيث يتقن معظم السكّان الإنجليزيّة لكنّك لن تسمع سويديًا يتكلّم لغة خليطًا من لغته الأمّ والأنقليزيّة مثلاُ، لأنّ السويديّون معتزّون بلغتهم ولأنّ حكوماتهم الديمقراطيّة المعبّرة في سياساتها عن هذا الشعور بالإعتزاز القومي، تسنّ بدورها القوانين وتشجّع الإنتاج الثقافي للمحافظة على لغة شعبها.

اعادة الإعتبار للعربيّة فصيحة وعاميّة

يؤكّد الدكتور الذوّادي في كتابه حول تخلّف اللغة العربيّة في بلادنا انّ استعادتها لمكانتها كلغة وطنيّة يحترمها أبنائها قبل غيرهم، هو أمر مرتبط بشكل عضوي بحجم ارادة "القيادة السياسيّة" وعدم تذبذب سياساتها في هذا المجال ، فلا عجب ان ترافق تدهور حال لغتنا الوطنيّة مع تدهور وضعنا السياسي وانسداد آفاق التغيير وسبل التنافس الديمقراطي، الذي من شأنه ان يقوّم الأوضاع غير السليمة ويصلح الأخطاء والنقائص، اذ لو كانت لدينا حريّة اعلام لما انفرد البعض ب"إمتياز" فتح اذاعة أو تلفزة خاصّة ولأستطاع مثقّفون واعلاميّون تونسيّون مقتدرون من اسماع النّاس صوتًا ثقافيًا أقلّ بحثًا عن الربح التجاري وأكثر اهتمامًا بجودة وأصالة المحتوى. هذه الواقع الرديء لا يمكن ان يعفي النخب المُثقّفة من تحمّل مسؤوليّتها في الحفاظ على هويّة البلاد، لكن على بعض هذه النخب ان تحسم أمرها تجاه اللغة العربيّة وتقتنع بأنّها لا تتعارض مع قيم الحداثة والتقدّم، فهذه القيم ليست حكرًا على ثقافة دون أخرى وان تقدّم بعضها على غيرها، فلدينا في تاريخ الحضارة العربيّة الإسلاميّة أمثلة مشرقة لمفكّرين وفلاسفة أسّسوا لحداثة عصرهم باللسان العربي لعلّ ابرزهم كان ابن رشد الأندلسي، كما لا يخلو تاريخنا المعاصر وحاضرنا من المثقّفين التقدّميّين الذين حملوا لواء الحداثة بلسان عربي فصيح ورشيق، من جبران خليل جبران الى أبو القاسم الشابّي الى نزار قبّاني الى سماح ادريس صاحب مجلّة الآداب اللبنانيّة. كما يتطلّب الأمر من بعض النخب "القوميّة" الأخرى ان تغيّر من نظرتها الى الدارجة أو العاميّة التي يتكلّمها عامّة النّاس، لأنّه من الواضح انّ النظرة الدونيّة لهذه "اللغة" نفّرت الكثيرين من اللغة الفصيحة (أو الفصحى)، وجعلتهم يفضّلون عليها الدارجة التي يتكلّمونها في حياتهم اليوميّة لحرارتها والتصاقها أكثر بأحاسيسهم، الى درجة جعلت البعض يجادل، عن قصد أو عن جهل، بأن لا علاقة بين الفصيحة والدارجة وانّ هذه الأخيرة هي خليط للغات مختلفة متناسين انّ الأولى كانت على مرّ التاريخ المكوّن الأساسي للثانية والمصدر الرئيسي لألفاظها.

كما انّ تراجع مكانة اللغة العربيّة في وسائل الإعلام المحلّية التّي يتابعها عامّة الناس أدّى الى احتلال الفرنسيّة، وبشكل متزايد الأنجليزيّة، دور الخزّان الذي يزوّد النّاس بالمصطلحات الجديدة التي يحتاجونها في حياتهم اليوميّة. ورغم تأكيد تقريرالأمم المتحّدة لسنة 2003 حول التنمية البشريّة العربيّة على مرونة وثراء اللغة العربيّة وقدرتها الفائقة على الإشتقاق والمساهمة في "توليد المعرفة"، فإنّ التخلّف العلمي والتكنولوجي بالوطن العربي يضاعفان من التبعيّة الى اللغات الأجنبيّة، ويسهّل اللجوء اليها لإستيراد المصطلحات التقنيّة، وهي ولاشكّ أسباب تضعف العلاقة المتينة بين الفصيحة والدارجة في أذهان عامّة الناس.

انّ تجربة التعريب في بلادنا على نقائصها، أثبتت انّه يمكن ان يتحدّث التونسيّون دارجة أصيلة ملتصقة بالفصيحة وتنهل منها قبل غيرها لضمان تطوّرها، لغة عاميّة هي اقرب ما يكون الى دارجة عبد العزيز العروي وعلي الدوعاجي..، اذ صار من الواضح في أوائل التسعينات انّ هذا الخيار بدأ يؤتي ثماره وانّ النّاس أصبحوا أكثر استعمالاً للعربيّة في حياتهم اليوميّة، وقد ساهمت مجهودات ومواهب اعلاميّين وفنّانين متألّقين ككلثوم السعيدي وآدم فتحي ولطفي بوشناق وغيرهم في مصالحة التونسي مع لغته الأمّ، قبل ان تأتي العشريّة الأولى بعد السنة الألفين وتتراجع السلطة بشكل غير مُعلَن عن التعريب، بعد ان تحسّنت علاقاتها مع الحكومة الفرنسيّة، مفسحة المجال لوسائل اعلام تفتقر الى المضمون والى الرؤية الثقافيّة الجادّة و لايهمّها سوى الربح المادّي السريع. لا شكّ اذن انّه قد دقّ ما يكفّي من أجراس الإنذار ليتحمّل هؤلاء وغيرهم من مثقّفين من طينة جلّول عزّونة وأمّ زياد وعبد اللطيف الفوراتي وتوفيق الجبالي وجليلة بكّار ورشيد خشانة وسنية مبارك وبحري العرفاوي والحبيب الحمدوني.. وغيرهم ممّن أبدعوا بلغة الضاد فصيحة أم عامّية، مسؤوليّاتهم كنخبة وطنيّة مستنيرة في الدفاع عن لغة بلادهم. وكلّ رجائنا ان نسمع قريبًا بتأسيس هيأة للدفاع عن اللغة العربيّة في تونس تجتهد بمختلف الأشكال والوسائل في حماية ثقافتنا الوطنيّة من الرداءة.. والإندثار.

غسّان بن خليفة

الجمعة، مارس 16، 2007

سنتين على رحيل زهير "التونسي"..والمسيرة تستمرّ





يوم 13 مارس 2005 ، الثالثة صباحًا أتلقّى مايل من زهيّر..التاسعة صباحًا يفارق الحياة...

يومها عاهدت نفسي وعاهدت عمّة القاضي الفاضل مختار اليحياوي انّ حياته وتضحياته لن تذهب هدرًا..وها انّني نسيت ان أكتب عنه شيئًا في ذكرى وفاته الثانية..على الرغم من انّي تذكّرت ذلك قبل أسبوع..ثمّ أخذتني الدنيا كغيري من التائهين..يا لخجلي


ولو انّي تأخّرت يومين لأحيّي روحك التي تنظر الينا ولاشكّ من السماء بإبتسامتك الوديعة التي يعرفها كلّ من عاشرك أو قابلك ولو مرّة واحدة كما هو حالي..فإنّي أحمد الله جزيل الحمد لأنّه أسعفني بهذه الكلمات المتأخّرة..لأطّهر بها نفسي من خطيئتها...

ليس لدي الكثير من الكلام لأقوله لك يا زهيّر...

لللأسف لم يمهلنا القدر كثيرًا من الوقت كي نصبح أصدقاء..وربّما كان ذلك غير ممكنًا... لم تكن زعيمًا مبهرا، لم تكن خطيبًا مفوّهًا أو مفكّرًا لا معًا..كنت فقط شخصًا بسيطًا عاديًأ قرّر ان يحيا حرًا وبكرامة..وهو ما زاد من إعجابي بك..وجعلني أكنّ لك كلّ الإحترام والتقدير..لأنّك كنت وستبقى الى الأبد رمزًا...


تحيّة الى روحك الطاهرة..عهدًا لن نكلّ ولن نملّ قبل ان ينجلي ليلنا..وينكسر قيدنا

غسّان بن خليفة



لمن قد لا يعرف زهيّر اليحياوي :

الأحزاب الديمقراطية تنعى زهير اليحياوي


تنعى الأحزاب الديمقراطية، التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الحزب الديمقراطي التقدمي، حزب العمال الشيوعي التونسي، المناضل الشاب زهير اليحياوي الذي اختطفه المنون يوم أمس الأحد 13 مارس 2005 إثر نوبة قلبية.
إن الحركة الديمقراطية تفقد بوفاته مناضلا من مناضليها وهو في عز العطاء.


كان الفقيد مولعا بالإبحار عبر شبكة الأنترنيت. وقد جعل منها منبرا للتعبير عن همومه وإبداء الرأي في قضايا شعبه وبلاده، فكان ذلك سببا في دخوله السجن في ربيع 2002. وقد كان أول "أنترنوت" يُعتقل ويعذب ويُحاكم محاكمة جائرة. وقد ساهم اعتقاله في كشف مظهر آخر من مظاهر الاستبداد في مجال حاول نظام الحكم أن يجعل منه مفخرة لنفسه. لقد فضح اعتقال زهير اليحياوي هذه الكذبة وعرّى الرقابة المنهجية التي تمارس على كافة وسائل الإعلام والتعبير.
ومن المعلوم أن اعتقال زهير أثار موجة من الاستنكار داخل تونس وخارجها وفتح عيونا كثيرة في الداخل والخارج على معاناة شباب تونس الطامح إلى الحرية والديمقراطية. عانى الفقيد خلال حبسه لمدة عشرين شهرا ويلات ظروف الاعتقال اللاإنسانية في السجون التونسية. وقد واجه التنكيل الذي سلطه عليه جلاّدوه بشجاعة وجرأة كبيرتين. فشن العديد من إضرابات الجوع احتجاجا على الإهانة وسوء المعاملة وروح الانتقام. وقد خلّف له ذلك كله أضرارا بدنية كبيرة لا نشك في كونها من العوامل التي عجلت بوفاته في سنه هذا وبعد عام ونيْف فقط من إطلاق سراحه تحت ضغط القوى الديمقراطية.


ولم تنته معاناة زهير بخروجه من السجن. فقد غادر السجن الصغير ليواجه السجن الكبير: المراقبة التي لا تنتهي والحرمان من الشغل ناهيك أنه حُرم حتى من بعث مشروع صغير بإمكانياته الخاصة وفي مجال هوايته: الأنترنيت. وقد واجه الفقيد معاناته الجديدة بنفس الشجاعة والجرأة اللتين واجه بهما سجنه، فلم تُثنه سياسة الحصار والتجويع والهرسلة اليومية على مواصلة الاحتجاج مسخّرا قلمه للدفاع عن الحرية والديمقراطية. وقد كان يُسرّ إلى والدته الحائرة على مصيره والخائفة عليه من بطش الجلاد:" لن أحيد عن طريق النضال طالما يوجد مظلومون في تونس".


كان الفقيد دافئا، محبوبا من الجميع، يخيّر الفعل على الثرثرة. وقد كان هدوءه الظاهر يخفي تأجّجا داخليا سرعان ما تفضحه كتاباته ومواقفه الصارمة كلما تعلق الأمر بكشف مظاهر الظلم والعسف.


إن الأحزاب الديمقراطية المذكورة أعلاه إذ تنعى الفقيد وتتوجه بالعزاء لكافة أفراد أسرته وأصدقائه وأحبابه الكثيرين في تونس وفي الخارج، تقترح، إكراما لهذا المناضل الشاب الذي تجاوز صيته حدود البلاد وأصبح رمزا لكل المبحرين في عالم الأنترنيت بحثا عن مساحة حرية، تقترح جعل يوم 13 مارس تاريخ وفاة الفقيد ذكرى سنوية أو يوما وطنيا "للأنترنوت" للمطالبة بحرية الإبحار في شبكة الأنترنيت في إطار المطالبة بحرية التعبير بشكل عام والتضامن مع كل المضطهدين من أجل ممارستهم لهذه الحرية على غرار شبان جرجيس الذين عذبوا وصدرت ضدهم أحكام جائرة بـ13 سنة سجنا.
رحلتَ أيها العزيز لكنك ستظل حيا في قلوبنا وعقولنا.

(المصدر: موقع الحزب الديمقراطي التقدمي بتاريخ 15 مارس 2005)






الأربعاء، مارس 14، 2007

حوار مع جليلة بكّار


"الموقف" تحاور جليلة بكّار


أؤمن بالقوى التقدّميّة لكن على التقدّميّين في بلادنا ان يطوّروا خطابهم وآليّاتهم

كعادتها كانت متألّقة، مبتسمة، وغاية في الرقّة والتواضع عندما استقبلتني في قُمرتها الخاصّة ساعات قليلة قبل اعتلائها خشبة المسرح البلدي بالعاصمة. وأجابت بحسّ الفنان المرهف وبحماس وصراحة الشباب المتمسّك حتّى النهاية بمبادئه وأحلامه، على أسئلة حارقة تجول بخاطر كلّ من شاهد "خمسون" المسرحيّة-الحدث الأخيرة لفرقة "فاميليا"، هذه "القنبلة الفنيّة" التي أسالت قبل السماح بعرضها وبعده الكثير من الحبر والجدال.

الموقف: السؤال الأوّل الذي يطرح نفسه بداهة، هو كيف تفسّرين تغيّر موقف السلطة وسماحها بعرض المسرحيّة بعد ان رفضت ذلك في البداية؟

ج.ب: لست أدري بالتحديد، لكن يبدو انّ الأمور أخذت منعرجًا غير مُتوقَّع، خاصّة مع حملة التضامن الواسعة التي لقيَتها المسرحيّة داخل تونس وخارجها، فالتعاطف تجاوز دائرة الفنّانين والمُثقّفين ليصل الى عامّة الناس الذين لم يعودوا يستحون أو يخافون من التعبير عن رأيهم، فأظهروا مساندتهم لحقّنا في حرّية التعبير والإبداع الفنّي في وسائل الإعلام التقليديّة، وأيضًا على الأنترنات الزاخر بفضاءات الحوار والتعبير. أنا أعتقد انّ الجمهور التونسي دافع عن حقّه في الفنّ الذي يتحدّث عنه وعن شواغله.

الموقف: الكثير من النقد تعرّضت له المسرحيّة و أصحابها من بعض الأقلام اليساريّة التي اتهمّتكم بالإنتقائيّة في الأحداث التاريخيّة والإنهزاميّة وغيرها من التهم، ماذا تردّين على ذلك؟

ج.ب: لا يقلقنا النقد، لكنّنا لم ندّعي أنّنا قدّمنا في مسرحيّتنا درس تاريخ أو أطروحة ايديولوجيّة. "خمسون" هي نظرة حاولنا ان تكون شاملة، قدّمها فنانون يرصدون على طريقتهم الحالة السياسيّة والإجتماعيّة للبلاد، وذلك من خلال شخصيّات حاولنا ان تكون متعدّدة وممثّلة لشرائح مختلفة من التونسيّين والتونسيّات. فنحن صوّرنا أربع فئات : الإخوان، الرفاق، الزملاء والمواطنون العاديّون وعملنا عليهم فنيًا. لا ندّعي انّ عملنا كامل ولكنّنا نعتقد أنّنا تحدّثنا بصدق عمّا نعرفه أكثر وعمّا عايشناه.

أمّا بالنسبة لموضوع الإنهزاميّة و"موت اليسار" فأنا استغرب ما قيل حقًا، فأنا لا أعتقد انّ اليسار والقوى الحداثيّة في تونس قد ماتت، أكيد انّها ارتكبت أخطاء لكنّها لم تمت بل ومازالت تناضل في مجالات ومستويات عدّة، منها الحقل الثقافي. وفي مسرحيّتنا بيدو انّ البعض لم يلحظ انّنا أخترنا أكثر من ممثّل لليسار عكسوا واقعه الحالي، فإلى جانب شخصيّة "يوسف" التّي مثّلت رفض الواقع والإنغلاق على الذات، كانت هناك أيضًا شخصيّة "مريم" الحقوقيّة التي لم تستسلم وحاولت انقاذ ابنتها من براثن التطرّف، محاولة في نفس الوقت البحث في أسباب ما جرى لليسار من خلال ما حصل لإبنتها، وأيضًا شخصيّة المناضلة الشابّة المتمسّكة بالمبادئ التقدّميّة، وشخصيّة الشاعر الثمل المكتفي بالتغنّي بالشعارات الجميلة وشخصيّة المحامية التي توهم نفسها بعدم تغيّر الواقع. أنا أؤمن بالقوى التقدّميّة ولكن على التقدّميّين في بلادنا ان يطوّروا من خطابهم وآليّات نضالهم.

الموقف: يرى البعض من منتَقديكم انّكم بدَوْتُم في عملكم الأخير متعاطفين نوعًا ما مع التيّار الديني، فهل هذا يدلّ على مراجعة لنظرتكم له أم ينمّ عن نضج سياسي أم ماذا؟

ج.ب: كلّ ما في الأمر أنّنا نعيش في مجتمع أغلبه مسلمون، ولايمكن ان نقول أنّهم جميعًا اسلاميّون. فقط حاولنا في تناولنا لهذه الظاهرة ان نكون نسبيّين، اذ أخذنا أكثر من نموذج، انطلاقًا من شخصيّة "جودة" التي رحلت بسرّها معها، و"أمل" التي كانت ماركسيّة فتحوّلت الى الدين في المهجر منجذبة الى الجانب الروحي التصوّفي فيه، والعاهرة التّي تأثّرت بخطاب الدعاة فتحوّلت الى متديّنة مغالية، والمسلم العادي الذي تحوّل الى مسلم منغلق، وأيضًا شخصيّة الشابّ "حمِد بن ميّ" الذي وجد في التطرّف الديني وسيلة للتعبير عن نقمته. فما نراه اليوم حولنا وفي وسائل الإعلام هو الإفراط في التديّن والإفراط في العنف، خاصّة مع ما نشهده من اعتداءات خارجيّة على العالم العربي في فلسطين والعراق. لذلك أعتقد انّني لا أستطيع كفنّانة ان لا أحاول فهم ما حصل ل"حمِد" وأمثاله، فالفهم لا يعني بالضرورة التفهّم أو التعاطف، فحتّى في تناولنا لشخصيّة "قدّور" الجلاّد أبرزنا في هذا الأخير جانبًا انسانيًا ما. أنا أرفض العنف ومع الفصل بين الدين والدولة لكنّ عملنا يقوم على المحبّة والإنسانيّة لا على العداء والكراهيّة.

الموقف: بإختصار كيف تلخصّين الرسالة التي حاولتم تبليغها من خلال مسرحيّة "خمسون"؟

ج.ب: رسالتنا هي دعوة الى الحوار، فغياب الحوار هو المشكلة الأساسيّة في بلادنا. لدينا العديد من الملفّات التي يجب ان نتحاور فيها بصراحة ومسؤوليّة، كتاريخ البلاد وحاضرها، وما وصلت اليه أوضاعنا، حال الثقافة، لغتنا العاميّة التي انحدر مستواها بعد ان تمّ تهميشها من قبل البعض في الماضي، العلاقة بين المدينة والريف وغيرها... نحن بإختصار لم نعد نعرف كيف نتخاطب وعلينا ان نناضل من أجل استعادة ذلك. التعريف بالذاكرة وانتشالها من النسيان هو جزء من النضال الذي يجب ان نخوضه جميعًا من أجل إعلاء قيمة الحوار.

الموقف: في الختام ماذا تقولين للشباب التونسي؟

ج.ب: أقول لهم ما أقوله لإبنتي، يجب ان يؤمنوا بأنفسهم، أن يؤمنوا باليوم وبالغد، وانّ عليهم ان يعرفوا تاريخ بلادهم وتاريخ الأجيال التي سبقتهم كي يفهموا واقعهم ويتفادوا الوقوع في أخطاء الماضي، فتونس ليست أشجارًا وشوارع وصور وانمّا هي الإنسان، ومستقبلها هو ما سيصنعه أبنائها وبناتها بها.

حاورها غسّان بن خليفة

الأحد، مارس 04، 2007

الحرّية لمحمّد عبّو...




مقال حول مرور سنتين على اعتقال المناضل الرمز الأستاذ محمّد عبّو الذي اختطف يوم 1 مارس سنة 2005 من الطريق العامّ وزجّ به في السجن، قبل ان تُختلق له قضيّة وهميّة لمعاقبته على مقال كان نشره على الأنترنات فيه انتقاد لقرار دعوة مجرم الحرب آرييل شارون



وحتّى لا نكون ممّن ينسون تضحيات رجال ونساء هذا الوطن من أجل الحرّية..تحيّة بسيطة الى فارس الكلمة الحرّة محمّد عبّو والى زوجته المناضلة "رغمًا عنها" سامية عبّو



Mohamed Abbou ou le prix de la haine

Deux ans maintenant depuis que notre ami Mohamed Abbou croupit injustement dans la prison du Kef.

De toute l’histoire de la Tunisie, aucun autre cas de prisonnier d’opinion n’avait connu une telle médiatisation, une telle mobilisation, mais paradoxalement un tel acharnement des autorités.

En écrivant les deux articles pour lesquels il avait été poursuivi, Mohamed Abbou ne pensait pas qu’il allait connaître ce triste sort et ne se doutait pas qu’il allait provoquer une avalanche de records difficiles à battre : le nombre d’articles, de déclarations, de reportages, de conférences, de sit-in, d’avocats plaidants, de militants mobilisés, de comités de défense agissant, de jours de grève de la faim observés, mais aussi de règles de droit transgressées, de militants agressés, de policiers mobilisés…Quel énorme gâchis !!!

Deux ans c’est long, c’est presque éternel lorsqu’on souffre. C’est du temps de vie volé à Mohamed Abbou et sa famille, à ses amis et ses collègues, mais malheureusement aussi à la Tunisie qui aurait souhaiter battre d’autres records dont elle aurait pu être fière.

Quelle analyse aussi rationnelle soit-elle peut expliquer le maintien de Mohamed en prison avec un tel prix sur l’image, la stabilité et les intérêts du pays !

Ni le pragmatisme, ni le réalisme et le bon sens n’apportent des réponses à cet épisode bouleversant. L’explication se trouve peut être en dehors de toute rationalité voulue ou suggérée.

Tout d’abord, la bêtise humaine rendue possible par la haine de ce grand avocat de la liberté. Une haine incommensurable ressentie et convertie en actions de représailles et de violations caractérisées des règles de droit les plus élémentaires par ceux qui se sont sentis visés par les dits articles.

Ensuite, il y a une part de destin. Un destin vraisemblablement bienveillant qui veut offrir à la Tunisie un héros, un modèle, un idéal qui rompt avec une médiocrité envahissante qui rend le pays aussi méconnaissable qu’invivable.

Préférant le destin bienveillant à la bêtise humaine, nous sommes convaincus que la sortie de Mohamed de prison constituerait une délivrance collective (pour lui, sa famille, ses amis et tous ceux qui se sont mobilisés pour lui) en même temps q’une hantise pour le régime.

Son incarcération les a fait trembler, sa sortie les fera frémir…Mohamed Abbou est bien plus qu’un avocat rebelle. Il est l’antidote de la dictature.

Paris, le 01 mars 2007

Imad Daimi, Chokri Hamrouni