السبت، مارس 08، 2008

وفاء سلطان ومشاركتها الأخيرة في الإتّجاه المعاكس: نموذج للعلمانية المتطرّفة الى حدّ الغباء


كما هو معلوم قرّرت قناة الجزيرة الإعتذار عن الحلقة الأخيرة من برنامج "الإتّجاه المعاكس" الذي يقدّمه الدكتور فيصل القاسم، وذلك بسبب ماتضمّنته من اساءات للإسلام على لسان احد طرفي الحوار: الدكتورة وفاء سلطان. كما قرّرت القناة القطرية في نفس السياق عدم اعادة بثّ الحلقة كالمعتاد.

بداية، أرى انّ هذا القرار من الجزيرة يمثّل نكسة لحرّية الإعلام العربي، فللأسف رغم كلّ مايمكن ان يعاب على الجزيرة كان من الممكن دوما ان يٌشهَد لها بسعيها على استيعاب كامل مكوّنات المشهد الفكري والسياسي العربي من غلاة المتطرّفين الإسلاميين، بل والإرهابيين على شاكلة الظواهري وبن لادن، الى غلاة المتطرّفين العلمانيين من نوع شاكر النابلسي ومايكل منير ووفاء سلطان وآخرون. أعتقد انّ مهمّة قناة كالجزيرة هي ان تكون موضوعية وتعدّدية في تغطيتها لهذا المشهد ولا ان تجمّله أو ان تضع نفسها حكما بين ما هو مقبول من عامّة الناس وماهو غير مقبول. ماضرّ العرب والمسلمين ان تقول وفاء سلطان ماقالته؟ لماذا يصرّ البعض دوما على التعامل مع الجمهور على أساس انّه قاصر تجب حمايته من "سموم" الآخرين؟ لماذا نخفي عنهم الحقيقة؟ حقية انّ هناك بشر يحملون من الحقد والغباء الشيء الكثير، سواء كانوا يحملون عمامة ويحفظون الكثير من الآيات والحديث ويتحدّثون الفصحى بطلاقة كالدكتور أيمن الظواهري أو دوما عابسين هائجين، ويتحدّثون الفصحى بركاكة كالدكتورة سلطان؟ أنا أرى انّه من مصلحة الجميع ان يروا هذين النقيضين المتطرّفين ليعلموا ويعوا بوجودهما. هذا برأيي دور وسيلة إعلام رائدة في مستوى الجزيرة، ان تعلم النّاس بأقصى درجة من الموضوعية - وهو ما لا يعني ضرورة الحياد في كلّ القضايا- بالواقع، لا ان تجمّله وتخفي ما قد لايعجب البعض منّا بحجّة عدم جرح مشاعره وعقائده.

على المسملين ان يزيحوا عنهم هذا الستار الذي يختبؤون ورائه في كلّ مرّة يتجرّأ فيها أحد المتطرّفين المعادين للإسلام على تقيّأ شيء من حقده وعنصريّته أو شيء من كرهه لذاته ولثقافته الأصلية كما هو حال وفاء سلطان. فهذا الستار ليس مجد، ولم يعد من الممكن التعويل عليه في عصر العولمة. أنا شخصيا أحترم كثيرا شخصا كطارق رمضان، رغم اختلافي معه في كثير من الأمور، لأنّه تجاوز هذا الجدار العازل وتجرّأ على مكافحة عقيدته مع ما يوجّهه اليها الآخرون من سهام نقد وسبّ وتجريح، ممّا ساعده في الشكّ ايجابيا في معتقداته وتعميق وتهذيب ايمانه بها، والردّ بشكل عقلاني منطقي على النقود المقبولة، كما مكّنه ذلك من تطوير منظومته الحججية والردّ بشكل مفحم على الحاقدين العنصريين معرّيا تناقضهم وجهلهم وكراهيتهم.

وهذه الحادثة، هي ايضا دليل آخر على انّ التطرّف ليس حكرا على طرف أو تيّار دون آخر. فمثلما نجد متديّنين متطرّفين يصل بهم غبائهم الى تحريم كلّ شيء وقبول مالايمكن قبوله بإسم الدين، نجد ايضا علمانين وملحدين متطرّفين وجاهلين، يحوّلون عقدهم النفسية والثقافية تجاه مجتمعاتهم وبيئتهم الأصلية الى خطاب كاره للذات، مليء بالجهل والتناقض والتحامل. والأكثر بؤسا بين هؤلاء، هم أمثال سلطان، المستعدّين لقول كلّ مايريد ان يسمعه متطرّفو الغرب عن العرب وعن الإسلام والمسلمين ، ليدعموا به أطروحاتهم العنصرية، التي يعملون على ترويجها في بلدانهم. والتي والحقّ يقال، يساعدهم فيها المسملون أحيانا بردود فعلهم المتشنّجة على بعض الإستفزازات من نوع أزمة الكاريكاتور، خاصّة عند بدايتها، وقضيّة سلمان رشدي وغيرها. الى جانب ايضا بعض ردود الفعل المتعصّبة والسطحية على بعض المسائل التي لا يُقصد منها بالضرورة اساءة للمسلمين، كقضيّة اللوحة الموجودة بصفحة الرسول محمّد على موسوعة ويكيباديا، والتي طالب البعض بنزعها، جاهلين، أو متجاهلين، أنّها لوحة من التراث الإسلامي نفسه. علينا تعرية هؤلاء بحكمة وذكاء، لكن علينا ايضا التوقّف عن خوض معارك غير ضرورية بدافع الحساسيّة الثقافية والدينية المفرطة والتي لا نجني منها شيئا غير تعزيز صورتنا كشعوب "متعصّبة" و ذات "ثقافة معادية للحرّية" كما يروّج لها غلاة العنصريين في الغرب.

م: هنا رابط لمقطع من الحلقة المذكورة في أول الموضوع، تدليلا على تفاهة الدكتورة سلطان وتضامنا مع فيصل القاسم ومع كلّ من يحرص على التنّوع وحرّية الرأي، حتّى للأغبياء :

http://www.rasheed-b.com/?p=584