الثلاثاء، ماي 20، 2008

كانت بيروت / الياس خوري

مقال رائع للكاتب اللبناني الكبير الياس خوري، يختزل بشكل عميق ومؤثّر ما يجري في بيروت

كانت بيروت
الياس خوري

كانت بيروت.
لا ادري ما علاقة الفعل الماضي الناقص بالمدينة، لكنني لم اجد خبرا لاسم كان، كي تصير بيروت جملة كاملة، وكي لا نبقي في مبتدأ ناقص لا يجد اكتماله. فأي خبر لن يلائم الاسم، وسيبقي مجرد علامة استفهام، وسيترك المدينة ناقصة، مثلما كانت دائما.
فلنترك بيروت معلقة هكذا علي احتمالات لن تأتي، ولنتعلم في علاقتنا بالمدينة ان نكون في الالتباس، فلا شيء يلائم بيروت مثل التباسها في جملة ناقصة لن تكتمل، او نحن عاجزون عن اكمالها.
نستطيع ان نعود الي تاريخ المدينة القديمة، حيث التمع الاسم في الزمن الروماني القديم، لكن العودة الي ذلك الماضي السحيق لن تفيدنا. فبيروت الرومانية غرقت في البحر، ودمرتها الزلازل، ولم يبق منها سوي حجارة تنطق بحكايات الماضي الغامضة.
يومها ماتت بيروت، ولم تعد الي الحياة الا في العصر الحديث، عندما حولت الحملة المصرية في القرن التاسع القرية الساحلية الخاملة الي مدينة. اي ان بيروت بقيت في هجعة الموت حوالي الفي سنة، وخمل ذكرها، الي درجة ان اسم المدينة لا يرد في كتب مؤرخي الغزوات الافرنجية التي عرفت باسم الحروب الصليبية، الا في شكل عرضي.
لم تعد بيروت الي الحياة الا مع الحرب الأهلية اللبنانية الأولي، 1840ـ 1860، التي اجتاحت جبل لبنان، وامتدت الي دمشق الشام. في ذلك الزمن صارت الأسكلة الساحلية ملجأ للبنانيين الهاربين من جحيم الحرب. اي ان المدينة بدأت رحلتها الفعلية الي التشكل في الحرب الأهلية، وكمدينة اتسعت باللاجئين، وانتقلت لتصير عاصمة لوحدتين سياسيتين: المتصرقية، التي كانت بيروت عاصمتها الاقتصادية والثقافية رغم انها لم تكن جزءا منها، وولاية بيروت العثمانية. ولم تصر بيروت المدينة الكبري لأنها اعتمدت عاصمة لدولة لبنان الكبير الا لأنها صارت مرفأ المشرق العربي بأسره بعد النكية الفلسطينية.
مدينة نشأت علي تخوم الكوارث التي احاطت بها، لتصير مرآة المشرق العربي. هكذا صارت المدينة اللبنانية مركز الحداثة الادبية العربية، والعاصمة المصرفية للمنطقة، مع رجل مقدسي يدعي يوسف بيدس صنع معجزة بنك انترا وصار الضحية الأولي لمعجزته الناقصة.
انها مدينة ناقصة لا تكتمل بذاتها، لأنها مرآة.
انفجرت بيروت في مرحلتين:
انفجارها الأول عام 1958 كان خافتا، لكنه كان يشبه زلازل الأعماق.
جاء الخفوت بسبب عقلانية الحركة القومية التي كان يقودها رجل تاريخي اسمه جمال عبدالناصر. الناصرية، رغم كل النقد الذي يمكن ان يوجه لها، كانت حركة بناء، نأت بنفسها عن التفتت. شاهدنا علامات رفض التفتت في مواقع، في لبنان 58، حيث سارعت الي التسوية كي لا ينتشر الحريق الطائفي في المنطقة، وبعد انفصال سورية عن دولة الوحدة، حين رفض ناصر استخدام القوة المسلحة علي الرغم من قدرته علي ذلك، وحين نشر قواته علي الحدود الكويتية العراقية كي يمنع نزق ديكتاتور العراق عبدالكريم قاسم من التحول الي كارثة، سوف تحصل بعد زمن طويل مع الغزو العراقي للكويت. ولم يخطئ ناصر في هذا السياق الا في اليمن حين شارك جيشه في الحرب الاهلية التي اعقبت الانقلاب الجمهوري، وكانت هزيمة حزيران احد اثمان ذلك الخطأ.
لكن زلزال الأعماق الذي صنعته حرب 1958 الأهلية بقي نائما كمؤشر لاحتمالات النهاية التي بدأت ترتسم في الأفق. فحين تصير مدينة اللاجئين من الحرب الأهلية الأولي ساحة للحرب، فهذا يعني ان المعادلة بدأت تنكسر.
وانكسرت المعادلة عام 1975، عندما لم تجد المقاومة الفلسطينية الا ملجأ واحدا هو بيروت. عمان خرجت من الدائرة، ودمشق ليست ممكنة بسبب غياب الديموقراطية فيها. فبعد ايلول الأسود، صارت بيروت عاصمة لمكانين يعيشان في المؤقت الناقص: فلسطين ولبنان. وتعمقت ازمة المدينة، وانقسمت علي طول الخط الأخضر الذي فصل بين بيروت الغربية وبيروت الشرقية.
وبقي الانقسام. وتغيرت خطوطه، في زمن السلم السوري الثقيل الوطأة، واتخذ الانقسام شكلا جديدا بعد خروج الجيش السوري من المدينة، كي يصل اليوم الي شكل هلامي من الخطوط المتعرجة، والمتداخلة، جاعلا من الصدامات الدموية التي حصلت في الاسبوع الماضي نموذجا لعدم قدرة اي طرف علي الهيمنة علي المدينة.
في الصدامات الأخيرة التي اتخذت شكل حرب مذهبية سنية شيعية، يجب ان نتوقف عند ظاهرتين:
الأولي، هي العودة الخفية للخط الأخضر، حيث بقيت بيروت الشرقية بمنأي عن الصدامات، وصارت ملجأ للهاربين من بيروت الغربية.
الثانية، هي ان اجتياح مقاتلي حزب الله لبيروت الغربية، لا يستطيع ان يترجم نفسه في السياسة، لأن البني الطائفية محكومة بحدودها التي لا تسمح لطائفة بابتلاع طائفة اخري.
هكذا عاد الانقسام ليتخذ شكلا جديدا، معلنا استحالة الهيمنة علي المدينة التي ستبقي مرآة للمنطقة وتناقضاتها، لأن لبنان الذي ارتضت بيروت علي ان تكون عاصمته لا يستطيع ان يكون وطنا طالما بقيت طوائفه هي القوي السياسية المهيمنة عليه.
لكن بيروت تصغر اليوم.
هكذا بدت لي المدينة وهي تجرجر احزانها وموتها، بيروت تصغر لأن المنطقة العربية صغرت. فحين يغيب العرب عن قضاياهم، ويتخلون عن فلسطين من اجل رتق ثقوب انظمتهم الديكتاتورية، تصير بيروت ملعبا لموتهم وموتها.
هكذا بدت المدينة المتشحة بالخراب والموت، وهي تلعب لعبتها الدموية مع الطوائف اللبنانية التي تثابر علي خوض معاركها متسلحة بالخارج.
هنا تموت القضايا التي ولدت في هذا المكان.
المرآة تتكــــسر، ونحن في المرآة، وعذاب المرآة لا حدود له سوي الألم.

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\19z21.htm&storytitle=ff%DF%C7%E4%CA%20%C8%ED%D1%E6%CAfff&storytitleb=%C7%E1%ED%C7%D3%20%CE%E6%D1%ED&storytitlec=

الخميس، ماي 01، 2008

ساركوزي.. مديح بلا حساب وصفقات بملياري يورو وصدمة للمعارضين


مقال جيّد للصحفي التونسي صلاح الدين الجورشي حول الزيارة المخزية الأخيرة لساركوزي الى بلادنا. أرجو شخصيا، ان تكون هذه الزيارة فرصة لبعض التونسيين كي يستفيقوا من أوهام هيامهم الأعمى ب"ماما فرانسا"...



عاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى بلاده بعد زيارة لتونس دامت ثلاثة أيام، تاركا وراءه جدلا عاصفا في الأوساط الديمقراطية ونشطاء حقوق الإنسان.

فتصريحاته الخاصة بدعم الرئيس بن علي وتشجيعه على مواصلة "محاربة الإرهاب"، إضافة إلى شهادته بأن مساحة الحريات في تونس "تشهد تقدّما ملحوظا"، وهي تصريحات ذكَّـرت التونسيين بما سبق أن أكَّـده جاك شيراك في زيارته الشهيرة عام 2003 إلى بلادهم عندما "كشف" لهم أن توفير الطعام والتعليم والصحة هي أساس حقوق الإنسان.

هي ثاني زيارة يؤدّيها الرئيس الفرنسي لتونس منذ وصوله إلى دفّـة الرئاسة في مايو 2007، وهو ما يدُل على متانة العلاقات الشخصية التي تربط ساركوزي بالرئيس بن علي، إلى جانب الدِّفء التي تشهده العلاقات بين البلدين منذ السقوط المُـدوِّي للاشتراكيين في الانتخابات الأخيرة التي أخرجتهم من الحكومة.

هذه الزيارة استعد لها طرفان محليان، ولكن لكل منهما حساباته وتطلُّـعاته. الطرف الأول، هو النظام الذي كان مُـدركا للدوافع الحقيقية التي تتحكَّـم في اتِّـجاهات السياسة الخارجية للرئيس الفرنسي وطموحاته، وبناءً عليه، تم الاشتغال منذ زيارة ساركوزي الأولى إلى تونس في يوليو 2007 على إعداد الملفات "الحيوية"، وفي مقدمتها، الصفقات التجارية الهامَّـة في أكثر من قِـطاع، إضافة إلى ملف مقاومة الهجرة السرية ودعم مشروع "الاتحاد المتوسطي" (الذي أصبح يُسمى الإتحاد من أجل المتوسط)، حيث تطمح تونس للظَّـفر باستضافة مقرِّه، وهو ما من شأنه أن يُـحقق أكثر من هدف ومن مصلحة.

أما الطرف الثاني، الذي استعدّ بدوره للاستفادة من هذه الزيارة، فتُـمثله أطراف حقوقية وديمقراطية. هذه الأطراف في أغلبيتها الواسِـعة على الأقل، ليست على صِـلة إيجابية باليمين الفرنسي، وبالتالي، لم تكُـن تُـراهن كثيرا على ساركوزي، لكنها ظنّـت بأنه سيأخذ بعين الاعتبار مسألة الحريات العامة، خاصة وأنه سبق له أن تطرّق في زيارته الأولى بشكل ذكِـي لهذه المسألة وكان له دورٌ ما في إطلاق سراح سجين الرأي المحامي محمد عبو.

وبناءً عليه، تعدّدت المحاولات والتحرّكات، حيث بادرت المنظمات الحقوقية الفرنسية أو المستقِـرة في فرنسا، بالاتصال بكبار المسؤولين بوزارة الخارجية الفرنسية من أجل إشعارهم بضرورة التطرّق للملف السياسي والحقوقي خلال زيارة ساركوزي، كما تناولت وسائل الإعلام الفرنسية في مُـجملها إشارات مكثَّـفة لوضع حقوق الإنسان في تونس، وما تتعرّض له أحزاب المعارضة المعترف بها من مُـضايقات.

مفاجأة

أما على الصعيد المحلِّـي، فقد وفَّـرت السلطة "فرصة" للأوساط الاحتجاجية، عندما قرّرت استهداف صحيفة الموقف الأسبوعية الناطقة باسم الحزب الديمقراطي التقدّمي (معارضة)، من خلال تحريك قضية عدلية جديدة، من شأنها أن تنسِـف هذه الجريدة المناضِـلة وتُـلغيها نهائيا من المشهد الإعلامي الرّاهن، الذي إن تميَّـز بشيء من التعدّدية الضعيفة، فيعود الفضل في ذلك إلى السَّـقف العالي من النَّـقد الذي تُـمارسه بالأساس صُـحف أسبوعية مثل "الموقف" و"مواطنون" و"الطريق الجديد"، الناطقة جميعها باسم أحزاب معارضة، غير مرضٍ عنها.

وهكذا، نجح كلٌّ من رئيس تحرير "الموقف"، رشيد خشانة ومدير تحريرها نجيب اللوز، في لفتِ أنظار وسائل الإعلام الفرنسية والعربية والدولية، إلى جانب من المُـعضلة التي يعيشها الإعلام المحلّي، وذلك من خلال الإضراب عن الطعام الذي أقدَما عليه ابتداء من يوم السبت 26 أبريل بالتَّـوازي مع زيارة الرئيس الفرنسي، وهو ما أزعج السلطات التونسية، التي سارعت إلى إدانة هذا التحرك واتّـهمت أصحابه بممارسة "الانتهازية السياسية"، على حد تعبيرها.

أما المفاجأة التي أضفَـت على هذه الزيارة بُـعدا خاصا وجعلت منها مُـناسبة لطرح أسئلة عديدة من قِـبل المعارضين والنشطاء التونسيين بالخصوص، فتمثَّـلت في انحياز الرئيس ساركوزي كُـليا لوِجهة نظر النظام التونسي، مثلما جاء في الخِـطاب الذي ألقاه بمناسبة مأدُبة العشاء، التي نظمها الرئيس بن علي على شرفه مساء الإثنين 28 أبريل.

تصريحات مُـذهِـلة!

وممَّـا جاء على لسان ساركوزي في ردِّه على مَـن طالبه بالتعرّض لملف الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونس، قوله بوضوح "لا أجد من مبرِّر يسمح لي بأن أمنح نفسي الحقّ بإعطاء الدّروس في بلد أزوره كصديق ويستقبلني كصديق"، ولم يكتف ساركوزي بالاستِـناد على مبدأي السيادة والصداقة، وإنما أضاف بأنه في تونس "تشهد مساحة الحريات تقدّما ملحوظا، وأنه على ثقة برغبة الرئيس بن علي في مواصلة توسيع مساحة الحريات"، إلى جانب "المؤشرات المشجعة" المعروفة، مثل تقدّم أوضاع المرأة وتعميم الدراسة الابتدائية والثانوية و "التعليق الصّـارم لعقوبة الإعدام".

الشهادة الإيجابية التي قدّمها الرئيس الفرنسي حول أوضاع الحريات وحقوق الإنسان، أحدثت رجّـة قوية داخل صفوف المعارضين والنشطاء التونسيين، وجعلتهم يُـدركون بأن هذه الزيارة انقلَـبت ضدّهم وأظهرتهم كأنهم يجهلون بلادهم أو أنهم لا يُـحسنون تقدير المخاطِـر التي تواجهها تونس، بل إن ساركوزي استخفّ بمواقفهم وبنضالاتهم، واتَّـهمهم ضِـمنيا، بكونهم لا ينظرون إلى بعيد وأنهم يضخِّـمون بعض المشكلات الصغيرة لحساب "أعداء الديمقراطية"، لهذا، ذكَّـرهم بأن الرئيس بن علي يُـحارب الإرهاب "الذي هو العدُو الحقيقي للديمقراطية"، حسب قوله.

وحتى يُـشعرهم بالأهمية الإستراتيجية لهذا الدّور، وضعَـهم أمام الفرَضِـية التالية "إذا أقيم غدا نظام حُـكم على غِـرار طالبان في إحدى دول شمال إفريقيا، فمَـن يصدِّق أن أوروبا أو فرنسا يُـمكن أن تشعرا بالأمان.. إني أدعو الجميع إلى التفكير في ذلك"، وهو ما يعني بتعبير آخر، أن النظام التونسي وبقِـية أنظمة الحُـكم في منطقة المغرب العربي ومصر، لا تعمل فقط على تأمين استقرار الأوضاع الداخلية لبلدانها، وإنما من خلال تصدّيها القوي للإسلام السياسي، وإنما تؤدّي أيضا دورا إستراتيجيا يتمثَّـل في تأمين ظهر أوروبا، وهو ما يقتضي دعمها وتجنّـب إرباكها أو إحراجها في هذه المرحلة التاريخية، إلى جانب ما ستقوم به من معركة إضافية ضد تسرّب الهجرة السرية.

نادرا ما تحدّث مسؤول فرنسي أو أوروبي بمثل هذا الوضوح للكشف عن طبيعة العلاقة التي يجب أن تحكُـم الدول الغربية بأنظمة الحُـكم في المنطقة العربية، والمغاربية تحديدا، وهو حديث يأتي في أعقاب الدعوة إلى ممارسة الضّـغط على أنظمة الحُـكم في العالم العربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أيضا الدعوة التي أخذَت تتراجَـع بوضوح في المرحلة الأخيرة بسبب صعود الإسلاميين في أكثر من بلد، ومع ذلك، انتقد عديد من الديمقراطيين التونسيين ومنظمات وصُـحف فرنسية تصريحات ساركوزي، التي أذهلت الجميع.
المصالح.. ثم المصالح!
فمنظمة "مراسلون بلا حدود" المعنية بالدفاع عن حرية الصحافة والتعبير رأت في ذلك "طعنة في ظهر الناشطين التونسيين واستِـخفافا بنضالاتهم"، في حين اتَّـهمت راضية النصراوي، رئيسة جمعية مناهضة التعذيب الرئيس الفرنسي بأنه "يشجِّـع السلطة على القمع ويقول لها بأنك في الاتجاه الصحيح".

أما خديجة الشريف، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات التي شعرت بخيبة أمل، فقد رفضت المشاركة في اجتماع دعت إليه كاتبة الدولة الفرنسية لحقوق الإنسان، واتَّـهمت بدورها ساركوزي بأنه يُـعطي الأولوية للتجارة ولا يعلم بأن "التنمية لا يمكن أن تقتصر على الاقتصاد"، بل ذهبت إلى حدِّ القول بأنه "يستهتر بالمُـجتمع المدني التونسي".

ويدعم هذا الرأي رشيد خشانة بقوله بأن الرئيس الفرنسي "وضع المصلحة الاقتصادية لفرنسا في المقام الأول، وأنه صدم نشطاء حقوق الإنسان، الذين انتظروا موقِـفا مغايِـرا من فرنسا، مَـهد حقوق الإنسان والحريات"، أما مُـنصف المرزوقي، رئيس المؤتمر من أجل الجمهورية (غير مرخص له) فقد ذهب إلى أكثر من ذلك عندما رأى في هذه التصريحات دليلا على وجود "حِـلف استراتيجي متين بين الاستعمار الجديد، الذي تمثله حكومات الدول الغربية، وخاصة التي يُـسيطر عليه اليمين، وبين الاستبداد الذي تُـعاني منه بلداننا".

كما لفتت السيدة سهير بلحسن، الرئيسة الحالية للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وهي تونسية الأصل، إلى وجود توجّـه نحو "المحافظة على الأنظمة الدكتاتورية في منطقة المتوسط باسم التبادل التجاري ومحاربة الإرهاب"، وأضافت بشكل لافت أن "الإسلاميين جزء من المجتمع التونسي، ويجب معرفة كيف يأخذون مكانهم، وليس كيف نرميهم في البحر".

وإذ من المرشح أن يستمر هذا الجدل، سواء داخل تونس أو في فرنسا، إلا أن بعض أعضاء الوفد الرسمي المصاحب للرئيس الفرنسي سرّبوا لبعض النشطاء التونسيين بأن ساركوزي قد تلقّـى وعودا أو تطمينات بمعالجة "بعض الملفات المعلقة".

هكذا أعادت زيارة ساكوزي إلى تونس وتصريحاته، الجدَل من جديد حول كيفية النظر في أولويات الإصلاح السياسي، وهل أن مقاومة مظاهر العُـنف تكون بحجب الديمقراطية وغضّ الطرف عن انتهاك الحقوق الأساسية للإنسان؟ وهل من الممكن فصل التنمية عن الديمقراطية؟

أما الإشكالية الأخرى، التي عادت لتُـطرح بقوة على الحركة الديمقراطية التونسية بكل فصائلها فقد لخَّـصها البعض على الطريقة التالية: "كيف يمكن لهذه القوى أن تعيد رؤيتها للتغيير بالاستناد على مُـعطيات الواقع المحلي وحسن استثمار عناصر القوة الذاتية، حتى يكون رصيدها الداخلي هو المنطلق الأساسي في نِـضالها من أجل التغيير السياسي"؟.

وهي نفس الإشكالية التي يدور حولها جدل واسع في صفوف المعارضات العربية، التي لم تنجح إلى حد الآن في تغيير المعادلات الداخلية القائمة لصالحها، وفي الوقت نفسه بقي بعضها يراهن على الضغوط الدولية التي لا تزال بدورها محكومة بمنطق المصالح.. والمصالح فقط!