الجمعة، فيفري 22، 2008

معًا نحيي الأمل. نداء أحمد نجيب الشابّي الى التونسيين والتونسيات


نداء أحمد نجيب الشابّي، المترشّح الى رئاسيات 2009، الى التونسيين والتونسيات



أحمد نجيب الشابّي

معًا نحيي الأمل

تواجه بلادنا استحقاقا انتخابيا رئاسيا وتشريعيا في خريف سنة 2009. و بدأت الحكومة حملتها الانتخابية منفردة منذ عام دون أن تبدي أية نية لإصلاح الإطار القانوني والمناخ السياسي الذين ستجري فيهما هذه الانتخابات والذين تنعدم فيهما أدنى شروط الاختيار الحر والمنافسة النزيهة.

ولا يمكن لكل من يهمه أمر تونس ومستقبلها أن يقف متفرجا إزاء ما يجري الإعداد له من تحويل لهذا الاستحقاق الانتخابي إلى مناسبة لإعادة إنتاج نظام الحكم الفردي والرئاسة مدى الحياة وهيمنة الحزب الواحد على أجهزة الدولة والمجالس المنتخبة ومؤسسات الإعلام والمجتمع المدني . وقد عانت تونس طويلا من مثل هذا النظام الذي انتفت فيه الحريات وفقد فيه القضاء استقلاله وانتشر في ظله الخوف وتفشت الرشوة والمحسوبية وولد شعورا عاما بالإحباط وبفقدان الأمل.

وحاولت الحكومة تبرير مثل هذا النظام بضرورات التنمية الاقتصادية وكثيرا ما تباهت بنسب النمو التي حققتها والحال أن الإصلاح ضرورة من ضرورات التنمية وأن نسب النمو التي تحققت لم تكن كافية وبنت اقتصادا هشا.

لم تكن هذه المعدلات كافية لأنها عجزت عن رفع التحديات التي تواجه البلاد: التشغيل والرفع من مستوى العيش.

فمعدلات البطالة ظلّت تراوح مكانها منذ أربع عقود واستقرت في مستوى 15 بالمائة من قوة العمل وباتت تستهدف اليوم فئات الشباب والمتعلمين منهم على وجه الخصوص، ومن بينهم خريجو الجامعات الذين يعززون صفوف العاطلين عن العمل بعشرات الآلاف كل سنة.

و نهش غلاء الأسعار من جهته القدرة الشرائية للأجراء والفئات الوسطى والضعيفة من المواطنين وعجزت البلاد عن تحقيق هدف اللحاق بالدرجة السفلى من البلدان المتقدمة من حيث مستوى العيش. بل وعمقت السياسة التنموية للسلطة من التفاوت واختلال التوازن بين الفئات والجهات.

وكانت هذه التنمية هشة لأنها راهنت لعقود طويلة على قطاعات تقليدية، معرّضة للتقلبات المناخية أو السياسية (السياحة) وعلى إستراتيجية تصديرية لمنتوجات ذات قيمة مضافة متدنية، تشغّل يدا عاملة رخيصة الأجر وقليلة المهارة مثل صناعة النسيج والملابس. فنتج عن هذا الاختيار اقتصاد ضعيف الاندماج وشديد التأثر بالطلب الخارجي.

وإلى ذلك، وبسبب ذلك، تواجه البلاد تحدي العولمة في ظروف غير ملائمة فتناقص نصيبها من الأسواق الخارجية وتشهد الصناعات المحلية منافسة غير متكافئة في السوق الداخلية وما ينجر عن ذلك من غلق للمؤسسات الوطنية وتسريح للعمال بعشرات الآلاف.

وترفض الحكومة أن يكون استحقاق 2009 مناسبة لتقييم مسيرة البلاد التنموية والوقوف على مواطن الوهن والإخفاق فيها ولاقتراح البرامج على الرأي العام قصد معالجتها وتمكينه من أن يختار بكل حرية ومسؤولية ما يراه الأصلح من بينها، وتحاول بدلا عن ذلك ممارسة الوصاية والإقصاء ومحاصرة الرأي المخالف وحجب المعلومة ومنع المجتمع المدني بهيئاته المهنية والأكاديمية والسياسية من وسائل التواصل قصد ثنيه عن كل اجتهاد وشل مشاركته في الحياة العامة في وقت تسعى فيه كل الدول إلى تفجير طاقات مجتمعاتها الإبداعية والمراهنة على ذكائها. إن رفع مجمل هذه التحديات يمر عبر النهوض بالاستثمار الذي يعرف ركودا منذ منتصف التسعينات، ودفعا للاستثمار الخاص على وجه التدقيق. ففي اقتصاد سوق مفتوحة على العالم كما هو اقتصاد جميع البلدان في عصرنا الحاضر تلعب المؤسسات الصغرى والمتوسطة دور القاطرة في خلق الخيرات وإحداث مواطن الشغل ويلعب المجتمع المدني الناهض الدور الفعال في إعادة توزيع الثروة على أساس من العدل والتضامن.

والنهوض بالقطاع الخاص لا يعني البتة تخلي الدولة عن القيام بوظائفها الأساسية. فبالإضافة إلى دورها التقليدي في حفظ الأمن وإقامة العدل وتأمين الدفاع الوطني تقع على عاتق الدولة مسؤولية تأمين المرافق العمومية من تعليم عمومي مجاني ومتطور وخدمات صحية عمومية رفيعة الجودة وتغطية اجتماعية للجميع ومد البنية التحتية وتهيئة التراب الوطني بما يضمن التنمية المستديمة والتوازن بين الجهات ويحمي البيئة.

و قدرة الدولة على القيام بهذه الوظائف المختلفة تتوقف على مدى حيوية الاقتصاد وقدرته على الإنتاج والمنافسة، فمنه تستمد الدولة وسائلها وتحقق توازن ماليتها وتقضي على الدين العمومي الذي يرتهن مستقبل الأجيال واستقلال قرارنا الوطني.

إن رفع التحديات المصيرية التي تواجه تونس من خلق للخيرات وإحداث مواطن الشغل وتوزيع الثروة على أساس من العدل والتضامن ومواجهة المنافسة الخارجية اعتمادا على صناعات وخدمات ذات قيمة مضافة عالية توطن التكنولوجيا وتشغل يد عاملة ذات مهارة تفرض إصلاحا شاملا للهياكل الاقتصادية والمالية ولنظام التعليم والتكوين والبحث العلمي وفي مقدمتها إصلاح النظام السياسي للبلاد.

إن إصلاح النظام السياسي بما يخلص المجتمع من الوصاية ويخضع السلطة لرقابة المجتمع لا يضمن كرامة المواطن وحسب، وهو هدف عظيم في حد ذاته، وإنما يكفل أيضا دوام الاستقرار والسلم الأهلية ويوفر المناخ الملائم للاستثمار الداخلي والخارجي على حد سواء ويسهم في فتح البلاد على محيطها الإقليمي كشرط ضروري لانفتاحها على العالم الخارجي واندماجها في الاقتصاد العالمي.

ويمثل استحقاق 2009 فرصة لنفض غبار السلبية عن أنفسنا وإنجاز مهمة إصلاح النظام السياسي وتحرير طاقات المجتمع من مكبلاتها.

لذلك واستجابة لنداء الواجب قررت التقدم بترشحي للانتخابات الرئاسية لسنة 2009 على قاعدة برنامج الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي يستوجبها النهوض ببلادنا والتي سأعلن عن تفصيلها في وقت لاحق، معتمدا في ذلك على الله وعلى تأييد ومساندة مناضلي ومناضلات الحركة الديمقراطية والتقدمية التونسية وفي مقدمتها مناضلو الحزب الديمقراطي التقدمي والشخصيات الوطنية الممضية على "النداء من أجل بديل ديمقراطي"، هدفي من ذلك بذل أقصى الجهد لإحداث التغيير الذي ينشده شعبنا، وفي الحد الأدنى المساهمة في إنضاج ظروفه وتعبيد السبيل إليه.

وإن ما يحظى به تمشينا من صدقية و احترام لدى الرأي العام الوطني الواسع وما نحظى به من تعاطف في أوساط النخب العربية ومن تقدير من قبل المراقبين الأجانب وأحباء الحرية والديمقراطية في العالم يجعل الموقف من ترشحنا قبولا أو رفضا معيارا من معايير الحكم على صدقية الانتخابات القادمة أو زيفها. فإما أن ترفع الحواجز القانونية الظالمة التي تعودت الحكومة وضعها على طريق ترشحنا وإلا فإنها تقر منذ الآن وأمام العالم بأن الشعب التونسي محروم من حرية الاختيار وأنه معرض لمحاولة مصادرة حقه في اختيار من ينوب عنه في الحكم بكل حرية وشفافية.

إن النظام القانوني الحالي الذي يفرض على المرشح إلى الانتخابات الرئاسية أن يحصل على تزكية ثلاثين عضوا من المجالس التي يسيطر عليها الحزب الحاكم لا يفتح مجال المشاركة في هذه الانتخابات عمليا إلا لمرشح هذا الحزب وحده. لذلك تلجأ السلطة كلما اقترب الموعد الانتخابي إلى تعديل الدستور والسماح للأحزاب الممثلة بإرادة منها في البرلمان بتقديم مرشح عنها مغلقة بذلك الباب في وجه الشخصيات الوطنية و أحزاب المعارضة المستقلة.

وفي المناخ السياسي الحالي تقصر الحكومة المنافسة الانتخابية على حملة باهتة تقرر مدتها ومن يحق له المشاركة فيها وتحدد شروطها من جهة استعمال وسائل الإعلام وتوقيتها وتعيين قاعات الاجتماع وعدد المعلقات وأماكنها فيما تحتفظ لنفسها بحق تسخير وسائل الإعلام وأجهزة الإدارة والمال العام للأغراض الدعائية لحزبها ومرشحيه بما يجرد الحملة الانتخابية من أدنى شروط المنافسة المتكافئة وينفي عنها مقومات الاستشارة الشعبية الحرة.

إننا نرفض هذا الديكور الانتخابي وسوف نعمل من جهتنا على فرض التكافؤ في الفرص بين جميع الفرقاء. لن نقبل بأن يحتكر الحكم حق تعليق المعلقات العملاقة واستعمال الدور العمومية ووسائل الإعلام الجماهيرية طيلة المدة التي لا تزال تفصلنا عن الموعد الانتخابي ليختار في نهايتها وبصفة تعسفية منافسيه ويفرض عليهم التحرك في مربع يحدده لهم في إطار حملة انتخابية لا تزيد مدتها عن خمسة عشر يوما بالعد والحصر.

إننا سنمارس حقنا في تعليق المعلقات وفي استعمال وسائل الاتصال السمعية والبصرية المحلية والأجنبية وعن طريق الانترنت والأقراص المضغوطة والمناشير والاجتماع بالمواطنين في أحيائهم وأماكن عملهم لنعرفهم ببرامجنا ومقترحاتنا ونشحذ عزائمهم وندعوهم ليفرضوا حقهم في الاختيار الحر.

وإني إذ أتوجه بجزيل الشكر وبعبارات العرفان التقدير إلى مناضلي ومناضلات الحزب الديمقراطي وإلى الشخصيات الوطنية التي تبنت ترشحي في إطار "النداء من أجل بديل ديمقراطي" الذي أصدرته اليوم، أتعهد لهم جميعا بالعمل بكل جد وإخلاص وفي تنسيق وتشاور دائمين معهم على تحقيق هذه الأهداف والقيام بحملة مشرفة في نطاق القانون وأخلاق التنافس النزيه حتى نوفر للشعب التونسي حق الاختيار الحر لمن ينوب عنه في الحكم فتحرر طاقاته الإبداعية ويواجه التحديات المحيطة به بهمة واقتدار.

تونس في 13 فيفري 2008


الأربعاء، فيفري 20، 2008

«صاحب الآداب» يترك زمنه يتيماً ويرحل عن 83 عاماً


تحيّة محبّة ووفاء للراحل الكبير سهيل ادريس. لم أجد كلمات أبلغ من هذا المقال النشور بجريدة الأخبار اللبنانية (التي خصّصت ملفا للراحل) هنا


«صاحب الآداب» يترك زمنه يتيماً ويرحل عن 83 عاماً

حسين بن حمزة

برحيل صاحب «الحي اللاتيني» تنطوي إحدى الصفحات الأخيرة في السجلّ الذهبي لجيل ومرحلة: جيل المؤسسين الذي ترك بصماته على مرحلة خصبة من التاريخ العربي الحديث. انسحب سهيل إدريس رافضاً أن يشهد على هزيمة مشروعه، وانحسار القيم التي آمن بها ووهبها حياته...
مع سهيل إدريس (1925ـــــ 2008)، يأفل أحد آخر نجوم حقبة أدبية وثقافية عربية كاملة. معظم أقران إدريس ومجايليه سبقوه إلى الغياب. والباقون على قاب قوسين أو أدنى. ذلك الرعيل من الأدباء والمفكرين والصحافيين الذين يدينون، قبل كل شيء، لعصاميتهم وانكبابهم الجدي والعميق على تعزيز مواهبهم وتطويرها عبر التفاعل مع ما سبق من تراث عربي، وما هو راهن من آداب أجنبية تمرّر هواءً مختلفاً إلى رئة الثقافة العربية.
كتب سهيل إدريس القصة والرواية والمقالة والدراسة النقدية والسيرة الذاتية. ترجم أعمالاً عدة عن الفرنسية. أنشأ مجلة «الآداب»، وأضاف إليها دار نشر بالاسم نفسه. خاض معارك ثقافية لا تُحصى، كانت أشهرها تلك التي دارت بين «الآداب» ومجلة «شعر»، ثم مجلة «حوار». أمضى سنوات في تأليف «المنهل» الفرنسي و«المنهل» العربي.
التنوع والموسوعية وتعدد المواهب والاهتمامات كانت سمة من سمات ذلك الجيل. وسهيل إدريس لم يتأخر في ابتكار سمات مشابهة ظلت ملازمة وملتصقة باسمه. لم يكن قاصاً فقط، ولا روائياً فقط، ولا ناقداً فقط، ولا مترجماً فقط. كان مؤسسة ثقافية بكاملها. بل هو أحد قادة الثقافة وروادها في النصف الثاني من القرن العشرين. كان كاتباً وصانعاً للكتَّاب. اشتغل عند نفسه كاتباً، وفتح صفحات «الآداب» لولادة مئات الكتّاب من شتى أنحاء الوطن العربي. كانت مجلّة «الآداب» تمنح جوازات مرور إلى عالم الأدب، ولاحقاً إلى عالم الشهرة. كان مجرد ظهور اسم فيها علامة على الموهبة والجدارة. وكثيرون نقلت إليهم «الآداب» لوثة الكتابة، وقدمت لهم شهادات ميلاد.
لعل صفة «صاحب الآداب» (المجلة ودار النشر)، هي الأكثر انطباقاً على سهيل إدريس. لقد صنعت «الآداب» جزءاً كبيراً من حضوره وشهرته، لكنها، في الوقت عينه، صنعت حضوراً وشهرة لأجيال من الأدباء والمثقفين العرب. الأرجح أن شيئاً كهذا لم يحدث إلا نادراً في تاريخ الأدب الحديث. أن يستحوذ أحد ما على صفة كاتب وصانع كتّاب في آن.
ورّط سهيل إدريس كثيرين في عالم الأدب وغيَّر حياتهم. ستظل أعناق هؤلاء مطوّقة بديونه عليهم. لكنه لن يطالب بها يوماً. ولذا، فإن غياب سهيل إدريس اليوم لن يكون رحيل كاتب بمفرده. إنه رحيل «مفردٍ بصيغة الجمع». ففي ثنايا هذا الرحيل، ثمة حكايات وقصص كثيرة سيتناوب كثيرون على استعادتها وسردها. سيحرّك غيابه ذكريات شخصية كثيرة في مخيلة الكتّاب الذين استقبلتهم مجلته. سيعود الذين ظلوا أحياءً منهم إلى لحظات «عمادتهم»، وحصولهم على الاعتراف فيها. ثم انطلاقهم منها إلى طموحات نصية ونبرات خاصة بلا عدد.
لا بدّ من أنّ «الآداب» تتقدّم على منجزات سهيل إدريس كلها، إن لم تكن قد غطَّت على حضوره كاتباً وروائياً. فهي في نظر كثيرين الأثر الذي سيخلِّد اسمه أكثر من أي عمل آخر. ولكن سطوة «الآداب» ونفوذها الرمزي والتاريخي الواسع، لا ينبغي أن يطمسا السيرة الأدبية والثقافية الذاتية لصاحبها.
فلنتذكر سهيل إدريس الشاب الذي تخرّج في الكلية الشرعية، ثم اضطرته ميوله المدنيّة وطموحاته التأليفية المبكرة إلى التخلي عن جبّة رجل الدين. لنتذكر ترجماته لسارتر وكامو، وتبني «دار الآداب» لنشر الكثير من المؤلفات الوجودية. لنتذكر جرأته حين أصدر الجزء الأول من سيرته الذاتية، وكشف فيها شذوذ والده. لنتذكر أنّه أحد رواد الرواية الحديثة في لبنان والعالم العربي، وأن روايته الأشهر «الحيّ اللاتيني» أسهمت مع روايات «أديب» لطه حسين و«عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم و«قنديل أم هاشم» ليحيى حقي و«موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح.. وغيرها، في سرد العلاقة الشائكة والملتبسة بين الشرق والغرب والفجوة الحضارية بينهما. وهو الموضوع الذي احتل حيزاً مهماً في المشهد الروائي والنقدي العربي.
دافع سهيل إدريس، بشراسة وحس مبدئي، عن أفكاره وآرائه. فعل ذلك في شبابه وواصل ذلك في كهولته وشيخوخته. في حوار أجريناه معه قبل سنوات في مجلّة «زوايا» (العدد ١٠/١١)، أصرّ على رفض «قصيدة النثر» التي لم ينشرها في «الآداب» طوال فترة تولّيه رئاسة التحرير، رغم اعترافه برواجها الواسع وإقبال الأجيال الشابة على كتابتها. وأصرّ على صوابية قراره برفض رواية محمد شكري الشهيرة «الخبز الحافي». رغم نجاحها النقدي والتجاري وترجماتها المتعددة، ظل على قناعته بأنها رواية غير متكاملة، وأن نبرتها الجريئة والفضائحية، لا يسعها أن تشفع للترهّل الروائي الذي فيها.
كان سهيل إدريس ابناً باراً لزمنه. صانعاً له وشاهداً عليه. ظل قومياً عروبياً حتى حين سقطت الأحلام الكبرى وانهزمت الإيديولوجيات. وها هو يرحل مورِّثاً أبنه وبنتيه التركة نفسها.

الاثنين، فيفري 11، 2008

دفاعا عن ولد باب اللّه لأنّ حريّة السخرية من حرّية التعبير !






الجميع في تونس، من شمالها الى جنوبها ومن كبيرها الى صغيرها، يعلم انّ الزجّ بالهادي ولد باب اللّه في السجن لا يمكن ان يكون بسبب يقظة أجهزة أمننا العتيدة واكتشافها المفاجئ لتعاطيه "الزطلة"، وايضا ـ بقدرة قادر- لمتاجرته في العملة الصعبة. فالرجل يكاد يتحوّل بين عشيّة وضحاها من فكاهي محبوب الى زعيم عصابات خطير، وأرجو فقط الاّ يضيفوا له تهم سخيفة أخرى من نوع: حيازة سلاح ناري أو المشاركة في تكوين خلّية ارهابية تهدف الى قلب النظام واغتيال سفراء الدول "الصديقة"... خاصّة وانّ هذه التهمة "على الموضة" حسب آخر تقليعات سلطتنا القضائية شديدة الإستقلال. مرّة أخرى اذن، يخطئ النظام في حساباته ، فمن خلال سعيه لمعاقبة من يسخر منه سيتحوّل من جديد الى مسخرة العالم بأسره.

قد نختلف مع مضمون فكاهة ولد باب اللّه أو غيره، لكن تلك تبقى مسألة أذواق تختلف من شخص الى آخر. فالسخرية من الشخصيات السياسية وتصويرها بشكل كاريكاتوري هي من أركان حرّية التعبير في المجتمعات الديمقراطية المعاصرة. ومادامت السخرية لا تتعدّى حدود الإحترام لحرمة الشخص المعنوية وما دامت لا تحطّ من قيمته أو تصوّره في وضعيّات مهينة فإنّها تبيت أمرا ضروريا للحدّ من تسلّط السياسيين ، سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة، ولإحداث نوع من التوازن النفسي بينهم وبين بقيّة أفراد المجتمع. وفي حال ما تجاوز الفكاهيون تلك الحدود فليتمّ تطبيق القانون، وان لزم الأمر محاكمتهم فليحاكموا على قد مايكونوا ارتكبوه من مخالفة للقانون، لكن ان يتمّ تلفيق التهم الجاهزة لهم بمنطق التشفّي والثأر الشخصي فذلك أمر لا يمكن السكوت عنه في دولة قانون ومؤسّسات.


قضيّة ولد باب اللّه لا تختلف من حيث شدّة الوضوح وقمّة الإستبلاه للتونسيين عن قضيّة الصحفي السجين سليم بوخذير أو المحامي السجين السابق محمّد عبّو أو عن قضيّة نزع الجنسية عن سهى عرفات... فمرّة أخرى يستعمل نظام الإستبداد القضاء لتصفية حساباته مع من لا يرضى بالطاعة العمياء لإرادته المتجبّرة، والهدف واضح ككلّ مرّة: وهو ان يجعل من الضحيّة عبرة لمن يعتبر، وان يخيف عبر مثاله هذا الشعب المسكين، الذي يراد له ان يقتنع بأنّ قدره هو ان يعيش تحت أقدام الإستبداد طيلة خمسين عاما قضت ولخمسة سنوات قادمة على الأقلّ، حسبما تبّشرنا به المناشدات "الشعبية" و"العفوية" للرئيس الحالي.


فمن الواضح انّ هذا النظام ينوي على ما يبدو اطالة المقام بربوعنا وهو يعمل جاهدا على ضبط حركة المجتمع المتجّهة شيئا فشيئا نحو التحرّر من سلطته. وذلك من خلال إعادة توضيح قواعد اللعبة للجميع وبالأساس للفئات الملتحقة أكثر فأكثر مؤخّرا بال"معارضة"، كالنقابيين وأصحاب الشهائد والفنّانين والشباب الطلاّبي وغير الطلاّبي الخ. انّه يحاول تحذيرهم ومن خلالهم بقيّة أفراد الشعب: ان لاتغترّوا بصبرنا أحيانا على جرأة البعض منكم واضطرارنا لتحمّله لأسباب تتعلّق أساسا بالحفاظ على "بريستسجنا" وصورتنا لدى بعض الدول ، والمؤسّسات المالية العالمية. تلك التي ترضى بإقراضنا مقابل بعض الملامح الكاذبة لحرّية تعبير، هي في حاجة اليها لتبرير دعمهم وحمايتهم لنا أمام رأيها العام.


خلاصة القول، انّ نظام الإستبداد في تونس يريد ان يجعل من الهادي باب الله رمزا لمآل كلّ من تسوّل له نفسه التجرّأ على الإقتراب من "الذوات المقدّسة" التي ترتكز عليها سلطته - وترتكز عليه بدورها وتتمعّش منه -. لكنّ من الواضح انّ هذا الشعب بدأ يتململ رغم كلّ الجهود الحثيثة ل"تزطيله" و"تبنيج" وعيه السياسي، وبدأ يعطي اشارات صحوة متنامية، وان كانت عفويّة وعشوائية أحيانا، تدلّ على رفضه المتصاعد للأوضاع القائمة وعن رغبته في التغيير. علينا اذن الاّ نترك الإستبداد يحوّل الهادي باب اللّه الى رمز جديد للخوف والهوان وان نجعل منه رمزا للضحك على تخلّف هذا النظام والأمل بقرب الخلاص من حقبته المظلمة.

غسّان بن خليفة

م: لمن يريد ان يستمع الى التسجيل الذي بسببه تمت يمكن تحميله من هنا

الجمعة، فيفري 08، 2008

أمريكا التي أحبّ. مقال مميّز للد. منصف المرزوقي


موقعنا من الطريق إلى الديمقراطية

أمريكا التي أحبّ

الاربعاء 6 شباط (فبراير) 2008

لا أتصور أنه يوجد عربي واحد - اللهم إلا إذا كان عميلا- لا يكره السياسة الأمريكية بشدة أي ادارة بوش على وجه التحديد.

إن كنت عروبيا لا تستطيع إلا أن تكره هذه السياسة المجرمة التي قتلت مائة ألف عراقي بقنابلها "الذكية الجراحية التي لا تسنهدف المدنيين" ، والتي شردت أربعة ملايين عراقي ودمرت العراق ، وتحاملت على الشعب الفلسطيني كما لم تتحامل إدارة أمريكية واليوم تضغط على وكلائها المصريين لإعادة غزة إلى القفص.

إن كنت مسلما لا تستطيع إلا كره إدارة زل لسان رئيسها يوما وهو يتحدث عن الحرب الصليبية وأشهرت حربا غير معلنة على الإسلام بكل الوسائل الحبيثة. إن كنت ديمقراطيا لا تستطيع إلا كره إدارة هي اليوم أكبر سند للدكتاتوريات العربية ، ناهيك عن ضربها في الصميم مصداقية الدمقراطية عندما ادعت لحظة تبنيها و بهذا الاستحواذ " بوظت" كل العمل الذي قام به الديمقراطيون العرب منذ عشرين سنة لربح معركة القلوب والعقول

وإن كنت حقوقيا لا تستطيع إلا كره إدارة ارتكبت قوانتانامو وشرعت التعذيب وأعادت الاعتبار لأنظمة بشعة بحجة وقوفها معها في حربها ضد ما تسميه الارهاب ، ناهيك عن تسببها في كل القوانين ضد الارهاب المنسوخة روحا من قانون الوطنية السيء الذكر والذي أرحع الحريات العامة والفردية في العالم وحتى في أمريكا ،عقودا إلى الوراء.

وإن كنت عالميا لا تستطيع إلا كره إدارة لا ترى مانعا من الكارثة البيئية المرتقبة وتقف ضد قيام عدالة دولية وتمول مزارعيها ليموت مزارعو افريقيا من الجوع، وتمنع شركات الأدوية من صنع أدوية السيدا للمحافظة على الأرباح الخيالية لشركاتها الصيدلية....كل هذا خدمة لرأس المال العالمي على حساب حق الأجيال المقبلة في الحياة وهذه الأجيال في الصحة والتقدم .

ولأنني كل هذا في نفس الوقت فإن كرهي لهذه الإدارة نقي خالص لا تشوبه شائبة من أي تفهم او تعاطف.

المشكلة الكبرى أن كرهنا العظيم للسياسة الأمريكية - والتي تشاركنا فيه أغلب أمم الأرض ومنها الأوروبية - كثيرا ما يخلط بين سياسة وإدارة ، وبين شعب بأكمله, إنها إلى حد ما غلطة وسائل الاعلام عندما تكتب مثلا : أمريكا مصرة على البقاء في العراق ، أو امريكا تطالب مصر بعودة الحدود بينها وبين غزة. هذا الكلام غير مسؤول والصيغة الحقيقية للخبر هي: إدارة الرئيس بوش مصرة على بقاء الجيش الأمريكي في العراق، وإدارة بوش تطالب حكومة مبارك بعودة الحدود ,

نعم لا بد من احترام أبسط البديهيات في التعبير وأننا في قضية الحال لسنا أمام أمريكا، أي أمام الشعب الأمريكي ، وإنما أمام رئيس انتخب بثلث القوائم الانتخابية و يعرف تدني في الشعبية لم يعرفها رئيس قبله. هنا أسارع للقول أنني لا أنوي تمجيد هذا الشعب أو الانخراط في رؤيا مثالية وساذجة له ، فهو ككل التجمعات البشرية كيان بالغ التعقيد وله سلبياته وإيجابياته . لكن، لا يمكنني إخفاء إعجاب شديد بالدرس الذي يعطيه هذا الأيام ، أي بمناسبة الانتخابات التمهيدية ، لكل شعوب العالم وخاصة لنا نحن العرب.

بالطبع هناك الشكل أي الانتخابات التي لا علاقة لها بالمسخرات التي تعرفها في بلداننا . من جهة أنظمة مستبدة تكذب وتزيف في وضح النهار وذلك باسم الديمقراطية والقانون وسيادة الشعب وبقية الخرم من الكلمات السجينة، ومن جهة شعوب مهانة مستسلمة ،وحتى جبانة، تعرف أن شرفها منتهك، وسيادتها مصادرة، وثرواتها في أيدي اللصوص، ومع ذلك لا حول لها ولا قوة. بخصوص هذا الشكل، تعودنا, وكل انتخابات حقيقية في أي بلد ديمقراطي، ومنها كثير من بلدان الجنوب، صفعة على خدود تعودت الصفع وتصفحت ضده. الجديد في الانتخابات التحضيرية الأمريكية هو الفحوى.

من يقدر بين العرب ما معتى أن يفوز رجل أسود في ولاية "أيوا" حيث تسعين في المائة من سكانها من أحفاد الألمان والسكندنافيين والإنجليز البوتستانت إي عصارة الأمركيين العنصريين الذين ابادوا السكان الأصليين . من يقدر أهمية خروج رجال سود للدفاع عن هيلاري كلنتون المرأة البيضاء في وجه أوباما الرجل الأسود التي تفترض كل آليات التفكير عندنا أن يكونوا في صفه من منطلق ركن من أركان المنطق السياسي العربي: أنا وابن عمي على الغريب,

وهذه المرأة التي يمكن أن تصبح رئيسة أقوى دولة في العالم ! لو اصيبت بحادث سيارة في السعودية لكانت ديتها ربع دية سائقها السعودي لأنها امرأة ومن ثمة هي في عرف البلاد نصف رجل، ولأنها مسيحية ومن ثمة نصف مسلم. الحصيلة ربع ما يتلقاه ورثة سائقها السعودي,

العظيم في هذه الانتخابات ليس أن تتجند نساء بيض لرجل أسود، ورجال سود لإمرأة بيضاء ،وانما ما يعنيه الأمر من قفزة عملاقة فوق هوية المترشح - لونه ، جنسه- وقد استبطنت الناس أخيرا ان ما يهم هو الشخص من جهة ومن جهة أخرى البرنامج السياسي. من يتصور فينا اليوم مرشح امه مصرية ، لكن والده أمريكي أو اوربي أو أفريقي أو ياباني ، يحظى بدعم هائل من الشعب المصري لأنه إنسان محترم ولأن له برنامج مثير للآمال؟.وصل

قفزة عملاقة في النضج السياسي لا تضاهيها إلا القفزة العملاقة لنا نحن العرب.... في الاتجاه المعاكس, ففي الستينات تجاوزنا مفهوم القبيلة والطائفة وأصبحت لنا هيئات قومية فيها المسيحين والمسلمين وتعاركنا على برامج سياسية وخيارات عقائدية . والآن نحن نتخبط في قضايا السنة والشيعة والعلويين والعروش والصحوة وهلم جرا

الهدف من هذا المقال ليس الانخراط في جلد الذات وهذه رياضة أبغض لي من سياسة بوش. الهدف فقط أن يعرف العرب أين هم على الطريق وأنه ما زال طويلا أمامهم ، ليس فقط بالنجاح في إقامة انتخابات جديرة بهذا الاسم، وإنما في الوصول إلى مرحلة من النضج تختفي فيها المعطيات العقائدية والعنصرية والطائفية في اختيار من يجكم ولا يعتبر فيها إلا الإنسان والبرنامج.

http://www.moncefmarzouki.net/spip.php?article181

الجمعة، فيفري 01، 2008

مقالي عن قضيّة سماح ادريس بجريدة " القدس العربي"

الردع الأمني بديلاٌ عن الحوار النقدي
فخري كريم يقاضي سماح أدريس
غسّان بن خليفة
01/02/2008

رفع مؤخّرا الناشر العراقي الكردي فخري كريم دعوي قضائية ضدّ الكاتب سماح ادريس، رئيس تحرير مجلّة الآداب اللبنانية. ويتهمّ كريم ادريس بثلبه وذمّه في احدي افتتاحيات مجلّته، بعد ان أشار الي ماضيه السياسي وحاضره الثقافي المثيريْن للجدل في معرض نقده المُوثَّق لمشاركة بعض المثقّفين العرب في مهرجان المدى الثقافي (الذي يديره صاحب الدعوي) في مدينة أربيل بإقليم كردستان العراقي. اذ حمل ادريس علي بعض المثقّفين العرب من الليبيراليين الجدد وقدماء اليسار الذين تنكّروا لمبادئهم ومُثُلهم السابقة واقتصروا علي نقد كلّ ما له علاقة بالـ" القومية العربية" و"الظلامية الإسلامية و"اليسار الديكتاتوري" الخ. بينما يغضّون الطرف عن جرائم الإحتلال وأعوانه وأصدقائه بالمنطقة العربية، ومن بينهم حكّام كردستان العراق المحتلّ الذين نزلوا بضيافتهم.

هذه القضيّة تبيّن مرّة أخري مدي عجز أباطرة الفكر النقدي الحديث عن التصدّي لمن ينتقدهم بالقلم بغير وسائل الردع القضائي والأمني، وتسلّط الضوء ايضا علي دور المثقّف العربي الحداثي ومسؤوليته عن وقائع هذا العهد العربي البائس. فممّا لا شكّ فيه، ان أهمّ أسباب التخلّف العربي الراهن تكمن في استقالة الكثير من النخب التي انكفأت علي نفسها مفضّلة الخلاص الفردي علي وجع القلب وتأنيب الضمير المزمنيْن اللذيْن قد يسببّهما لهم التزامهم بقضايا الأمّة. لكن الأخطر من هؤلاء النخب المتقاعسة هم بعض المثقّفين الذين أعياهم العجز واستبطنوا روح الهزيمة فراحوا منقلبين علي ما كانوا يحملونه من قيم ومبادئ. اذ تخصّص البعض منهم في ترويج وصفات الحداثة والعقلانية والديمقراطية كما تراها الإدارة الأمريكية، اي تلك التي تمرّ ضرورة عبر بوّابات التنكّر للحقوق العربية المشروعة والتنكّر لحقّ المقاومة والتخلّي عن طموحات التوحّد القومي والعدالة الإجتماعية ولا تستقيم الاّ بسياسة الخنوع تجاه ارادة المتجبّر الأمريكي وبالتطبيع مع الغاصب الصهيوني.

لكن للسائل ان يتساءل، ما الذي يدفع شخصا ناجحا ـ بالمقاييس الراهنة طبعا ـ كفخري كريم، وهو مدير مهرجان عريق، كما يقول، ومستشار رئيس دولة ـ كما يتوهّم ـ الي مقاضاة مثقّف مهمّش ـ دائما حسب المقاييس الراهنة ـ كسماح ادريس؟ فهذا الأخير، كما يعلم الجميع، يعاني الأمرّين في سعيه الدؤوب الي ابقاء مجلّة الآداب العريقة علي قيد الحياة ولا حول له ولا مال لتنظيم المهرجانات واستضافة مئات الضيوف، فضلا عن ان يستشيره أصحاب القرار السياسي في بلادنا العربية أو حتّي يستمعوا اليه.

ما يغيظ أمثال صاحب الدعوي في أمثال المدّعي عليه، انّ الثانين بوجودهم وثباتهم علي المبادئ والقيم يذكّرون بشكل مستمرّ الأوّلين بحجم هزائمهم وبفداحة جرائمهم الفكرية والثقافية في حقّ أنفسهم أولا وفي حقّ الناس الذين كانوا يثقون فيهم ويرون فيهم الأمل في غد حضاري مشرق. فشخص مثل سماح ادريس فضّل العودة من الولايات المتحّدة الي لبنان ليواصل الرسالة النبيلة التي ابتدأها والده المثقّف الكبير سهيل ادريس والسيّدة الفاضلة عايدة مطرجي، ولكنّه لم يكتف برئاسة تحرير الآداب وانّما تراه ناشطا، رفقة زوجته المثقّفة الملتزمة كريستن شايد، في كلّ مجالات الفعل السياسي والثقافي المقاوم، من اطلاق حملات المقاطعة الإقتصادية لمنتوجات العدوّ، الي المساهمة في التعريف بالأدباء والفنّانين الشباب، الي التطوّع الأهلي للحدّ من الآثار الإنسانية للعدوان الصهيوني علي بلده، الي كتابة قصص للأطفال يحافظ من خلالها علي ارتباطهم بلغتهم القومية ويحبّب اليهم منذ الصغر قيما طالما دافع عنها مثقفّونا المهزومون كالوطنية والعدل والمساواة والتسامح والكرامة والوفاء. والأهمّ من ذلك كلّه ـ وربّما الأخطر في نظر البعض ـ انّ ادريس يعدّ من القلائل الذين يعكفون منذ سنوات علي صياغة خطاب قومي يساري عصري، منفتح علي قيم الحداثة والعلمانية والديمقراطية بإعتدال ومن منظور وطني أصيل، بما يصالح الشباب مع هويّتهم العربية ويصلح ما أفسدته التجارب التسلّطية للإيديولوجيات القومية التقليدية التي تجاوزها الزمن وانفضّ من حولها النّاس.

ختاما، مخجل حقا ان يصار بشخص في قيمة سماح ادريس الي المحاكم، فكم نحن بحاجة الي تشجيع وتكريم هذا النوع من المثقّفين العضويين الذين شارفوا علي الإنقراض بوطننا العربي المٌكبَّل بقيود الإستبداد والتعصّب الديني والطائفي والتبعية. كم نحن بحاجة الي مثقّفين من طينة عزمي بشارة، هيثم منّاع، الشهيد سمير قصير، توجان الفيصل، المنصف المرزوقي، رشاد أبو شاور، عبد الباري عطوان، عبد الوهاب المسيري... وغيرهم من حملة الفكر والقلم الذين فضّلوا الإنخراط في معارك التحرّر السياسي والإنعتاق القومي لأمّتهم علي الإستقالة والتخاذل والترويج لقيم الهزيمة والإلحاق. فتحيّة الإكبار لهم وله وللآداب والعار كلّ العار لأعوان الإحتلال و مثقفّيه .

صحافي تونسي


هنا