الخميس، أوت 10، 2006

دموع السنيورا..عظمة لبنان..والحلم العربي...

دموع السنيورا..عظمة لبنان..والحلم العربي...










شاهدت منذ قليل على قناة الجزيرة مقتطفات من كلمة رئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورا في اجتماع وزراء الخارجيّة العرب..، وبغضّ النظر عن عظيم احتقاري للأغلبيّة الساحقة من الوزراء الحاضرين الذين اضطرّوا لأخذ الموافقة الإسرائيليّة للذهاب الى بيروت نفاقًا وخوفًا من غضبة الشارع العربي، والذين لايعدوا ان يكونوا دمى متحرّكة في ايدي أباطرة الإستبداد العربي الذين اوصلونا الى مانحن عليه اليوم من ذلّ وهوان وانحطاط، بغضّ النظر عن كلّ ذلك استوقفني مشهد فؤاد السنيورا وهو يتحذّث عن عروبة لبنان..عروبة الإختيار لا القرار والإرغام، مغالبًا دموعه الحارّة..في لحظة فقد فيها السيطرة على آلامه وأوجاعه وشعوره بالغدر والخذلان من اخوان العروبة قبل" اصدقاء لبنان" من الغربيّين...

رغم القتامة النسبيّة للمشهد العامّ ورغم انّ هذا الإجتماع لا يمكن الاّ ان يكون في الجانب الأكثر ظلمة منه (وهو حال الوضع العربيّ برمّته) فإنّ رؤية دموع السنيورا حرّكت فيّ مشاعرًا وأفكارًا قويّة متأجّجة...، فهي اوّل مرّة (ولا اعتقد انّ هناك منكم من يخالفني في ذلك) نرى فيها مسؤولاً عربيًا رسميًا يتجاوز دوره المسرحي الباهت الموكل اليه من وليّ نعمته الحاكم بأمر واشنطن، وينزع عن وجهه قناع الرصانة والجدّية الزائفتين ويفسح المجال لإنسانيّته، انّها اوّل مرّة نحسّ فيها بأنّ مسؤولاً عربيًا يحسّ مثلما نحسّ نحن المواطنون العرب الأغبياء المتهوّرون (الذين لا نفهم شيئًا من مقولات الحكمة والواقعيّة والتوازنات الدوليّة...) بالغضب والثورة والحزن ..والعجز ربّما...، انّ دموع السنيورا هي بالنسبة لي ابرز دليل على عظمة ذلك البلد الصغير المُسمّى لبنان..، هذا البلد رغم كلّ مشاكله وآلامه ورغم كلّ ما لحقه ويلحقه من دمار ودماء لازال يحافظ على الحلم فينا، لايزال يخبرنا انّنا لسنا سيّئين الى هذه الدرجة ويعلّمنا من جديد معانِ كدنا نمحوها من ذاكرتنا ومخيّلتنا الى الأبد...، فلبنان هو الدولة العربيّة الوحيدة التّي تدير شؤونها حكومة مُنتخبة بشكل ديمقراطي (دون اعتبار المثالين الفلسطيني والعراقي لظروف الإحتلال) ، لبنان هو الدولة الوحيدة التّي تجمع اليوم بين خياري الإستقلال الداخلي والإستقلال الخارجي..فهناك في بيروت يحاربون على كلّ الجبهات ..ضدّ الإستبداد بإسم العروبة والمصير القومي الواحد الذي جعل نظام بشّار الأسد نفسه وصيًا عليه ، ضدّ الحسابات والمحاور الإقليميّة، وايضًا اليوم ومرّة اخرى ضدّ الهمجيّة الصهيونيّة وارادة القوّة والإستعلاء الإمبريالي الأمريكي...، يحاربون من أجل بناء وطن..، وطن ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب، وطن علماني تعدّدي، لا افضليّة فيه لأيّ دين او مذهب أو طائفة على البقيّة ، وطن منفتح على العالم مع تمسّكه بإنتمائه وأصالته..، وهذا الوطن الحلم ..هو المُستهدف اليوم دون أدنى شكّ...

فبلد عربيّ كهذا لا يمكن ان يخدم مصلحة انظمة عربيّة فاسدة مستبدّة بشعوبها، تستثمر كلّ طاقاتها لإقناع هذه الشعوب انّ الديمقراطيّة هي بدعة غربيّة لاتصلح لنا وانّ افضل ما يمكن ان نطمح اليه هو مجرّد "مستبدّ عادل"..ندعو له بالصلاح ونأمل منه العدل والحِلم والرفق بنا وبمقدّرات البلاد..، ولبنان ديمقراطي لا يمكن ان يخدم مصلحة اسرائيل التّي ستفقد موقعها ك" الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط" حسب التعبير الغربيّ الشائع..خاصّة وانّ حكّام تلّ ابيب لا يجهلون انّ انتقال عدوى الديمقراطيّة الى العرب لن يلبث ان يعينهم على النهوض والتحوّل الى قوّة اقليميّة فاعلة ستعرف كيف تدافع عن نفسها في وجه العدوان والتجبّر، وبلد علماني لكلّ الأديان والمذاهب لا يمكن ان يرضي قوى الظلام المتديّن في ربوعنا فذلك سينسف كلّ مقولاتهم ومشاريعهم المتعلّقة بإقامة نظام استبداد ذي مرجعيّة سماويّة مُفترضة...

انّ معركة لبنان اليوم الى جانب انّها معركة من أجل فرض ارادة بلد حرّ مستقلّ في مواجهة أطماع واملاءات كيان عنصري غاصب ..هي ايضًا معركة ذات دلالات عميقة وخطيرة وقد تكون مصيريّة بالنسبة لنا كعرب..، فهي معركة بين مشروع الدولة العربيّة الديمقراطيّة ، العلمانيّة المتمسّكة بإنتمائها الثقافي دون اكراه ودون تعصّب، دولة الحريّات الخاصّة والعامّة..، بلد الثقافة والفنون والجمال ..والجنون المبدع..، وبين كلّ الأطراف التّي ترفض ان يبني العرب هذه الدولة وان ينهضوا من سباتهم ومن اوحال تراث التواكل والجهل والتخلّف والتبعيّة ... ففي دموع السنيورا اليوم تجلّت من جديد عظمة لبنان ..وترائى لنا من جديد شعاع الأمل بغد عربيّ مشرق.. وهاهي بيروت اليوم تدفع من جديد الثمن باهظًا.. " حتّى تكون بيروت ربيع العرب" كما حلم الكاتب والصحفي سمير قصير شهيد الكلمة العربيّة الحرّة .. الذي اغتالته ايدي الظلم والظلام.

تحيّتي وخجلي ودموعي..وشكري الى بيروت.

3 Comments:

Anonymous غير معرف said...

جـميل جـميل يا طوير اللّيل
لكن لو تسمح بتصحيح لغوي بسيط بخصوص الجملة التالية: "لايزال يخبرنا انّنا لسنا سيّئون الى هذه الدرجة ويعلّمنا من جديد معانِ كدنا نمحوها من ذاكرتنا ومخيّلتنا الى الأبد..."
حيث أنّ الصحيح هو أن تقول: "لسنا سيّئين" بالكسرة حاشاك
والأكيد أنها نتيجة سهو يا أستاذنا النسراوي
هيّا مبروك عليك المحلّ الجديد
إنشالله عتبتو ما تكونش مشومة كيف الحانوت القديمة
lol
B T B

الجمعة, أوت 11, 2006 3:24:00 م  
Blogger الكاتب said...

تُشكر على التصحيح يا ولد عمّي
;-)

الحقيقة أنا ديما كنت تلميذ فاشل جدًا في قواعد النحو والصرف..ودائم الإعتماد على السياق العام للجملة وعلى تعوّدي بالنطق الصحيح للكلمات من خلال المطالعة...


باقيها ، انا قرّرت باش نولّي رجل أعمال كبير..يتسكّر حانوت نحلّ مغازة..تتسكّر مغازة..نحلّ
hyper marché ...

:)

السبت, أوت 12, 2006 2:43:00 م  
Anonymous غير معرف said...

في نفس اللحظة التي أتفق فيها معك بخصوص إشراق الصورة اللبنانيّة في مقابل الأنظمة العربيّة الأخرى ، أختلف معك في موقفك من الدّموع التي يذرفها رئيس وزراء.
المسألة ليست موقفا خاصا من السنيورة ذاته بل منه بوصفه رمزا منتخبا من قبل شعب فيه من الرجال و المقاومين و الأسرى ما فيه.
ما كان يحقّ للسنيورة أن يطالع العالم بدموعه...ما كان يحقّ له أن يضع سيادة شعب و بطولة أمّة بكاملها بين قوسي دموع...
ألم تر سيّدي المنديل الأبيض؟؟؟
كل الحب...

الاثنين, جانفي 08, 2007 10:40:00 ص  

إرسال تعليق

<< Home