الجمعة، فيفري 01، 2008

مقالي عن قضيّة سماح ادريس بجريدة " القدس العربي"

الردع الأمني بديلاٌ عن الحوار النقدي
فخري كريم يقاضي سماح أدريس
غسّان بن خليفة
01/02/2008

رفع مؤخّرا الناشر العراقي الكردي فخري كريم دعوي قضائية ضدّ الكاتب سماح ادريس، رئيس تحرير مجلّة الآداب اللبنانية. ويتهمّ كريم ادريس بثلبه وذمّه في احدي افتتاحيات مجلّته، بعد ان أشار الي ماضيه السياسي وحاضره الثقافي المثيريْن للجدل في معرض نقده المُوثَّق لمشاركة بعض المثقّفين العرب في مهرجان المدى الثقافي (الذي يديره صاحب الدعوي) في مدينة أربيل بإقليم كردستان العراقي. اذ حمل ادريس علي بعض المثقّفين العرب من الليبيراليين الجدد وقدماء اليسار الذين تنكّروا لمبادئهم ومُثُلهم السابقة واقتصروا علي نقد كلّ ما له علاقة بالـ" القومية العربية" و"الظلامية الإسلامية و"اليسار الديكتاتوري" الخ. بينما يغضّون الطرف عن جرائم الإحتلال وأعوانه وأصدقائه بالمنطقة العربية، ومن بينهم حكّام كردستان العراق المحتلّ الذين نزلوا بضيافتهم.

هذه القضيّة تبيّن مرّة أخري مدي عجز أباطرة الفكر النقدي الحديث عن التصدّي لمن ينتقدهم بالقلم بغير وسائل الردع القضائي والأمني، وتسلّط الضوء ايضا علي دور المثقّف العربي الحداثي ومسؤوليته عن وقائع هذا العهد العربي البائس. فممّا لا شكّ فيه، ان أهمّ أسباب التخلّف العربي الراهن تكمن في استقالة الكثير من النخب التي انكفأت علي نفسها مفضّلة الخلاص الفردي علي وجع القلب وتأنيب الضمير المزمنيْن اللذيْن قد يسببّهما لهم التزامهم بقضايا الأمّة. لكن الأخطر من هؤلاء النخب المتقاعسة هم بعض المثقّفين الذين أعياهم العجز واستبطنوا روح الهزيمة فراحوا منقلبين علي ما كانوا يحملونه من قيم ومبادئ. اذ تخصّص البعض منهم في ترويج وصفات الحداثة والعقلانية والديمقراطية كما تراها الإدارة الأمريكية، اي تلك التي تمرّ ضرورة عبر بوّابات التنكّر للحقوق العربية المشروعة والتنكّر لحقّ المقاومة والتخلّي عن طموحات التوحّد القومي والعدالة الإجتماعية ولا تستقيم الاّ بسياسة الخنوع تجاه ارادة المتجبّر الأمريكي وبالتطبيع مع الغاصب الصهيوني.

لكن للسائل ان يتساءل، ما الذي يدفع شخصا ناجحا ـ بالمقاييس الراهنة طبعا ـ كفخري كريم، وهو مدير مهرجان عريق، كما يقول، ومستشار رئيس دولة ـ كما يتوهّم ـ الي مقاضاة مثقّف مهمّش ـ دائما حسب المقاييس الراهنة ـ كسماح ادريس؟ فهذا الأخير، كما يعلم الجميع، يعاني الأمرّين في سعيه الدؤوب الي ابقاء مجلّة الآداب العريقة علي قيد الحياة ولا حول له ولا مال لتنظيم المهرجانات واستضافة مئات الضيوف، فضلا عن ان يستشيره أصحاب القرار السياسي في بلادنا العربية أو حتّي يستمعوا اليه.

ما يغيظ أمثال صاحب الدعوي في أمثال المدّعي عليه، انّ الثانين بوجودهم وثباتهم علي المبادئ والقيم يذكّرون بشكل مستمرّ الأوّلين بحجم هزائمهم وبفداحة جرائمهم الفكرية والثقافية في حقّ أنفسهم أولا وفي حقّ الناس الذين كانوا يثقون فيهم ويرون فيهم الأمل في غد حضاري مشرق. فشخص مثل سماح ادريس فضّل العودة من الولايات المتحّدة الي لبنان ليواصل الرسالة النبيلة التي ابتدأها والده المثقّف الكبير سهيل ادريس والسيّدة الفاضلة عايدة مطرجي، ولكنّه لم يكتف برئاسة تحرير الآداب وانّما تراه ناشطا، رفقة زوجته المثقّفة الملتزمة كريستن شايد، في كلّ مجالات الفعل السياسي والثقافي المقاوم، من اطلاق حملات المقاطعة الإقتصادية لمنتوجات العدوّ، الي المساهمة في التعريف بالأدباء والفنّانين الشباب، الي التطوّع الأهلي للحدّ من الآثار الإنسانية للعدوان الصهيوني علي بلده، الي كتابة قصص للأطفال يحافظ من خلالها علي ارتباطهم بلغتهم القومية ويحبّب اليهم منذ الصغر قيما طالما دافع عنها مثقفّونا المهزومون كالوطنية والعدل والمساواة والتسامح والكرامة والوفاء. والأهمّ من ذلك كلّه ـ وربّما الأخطر في نظر البعض ـ انّ ادريس يعدّ من القلائل الذين يعكفون منذ سنوات علي صياغة خطاب قومي يساري عصري، منفتح علي قيم الحداثة والعلمانية والديمقراطية بإعتدال ومن منظور وطني أصيل، بما يصالح الشباب مع هويّتهم العربية ويصلح ما أفسدته التجارب التسلّطية للإيديولوجيات القومية التقليدية التي تجاوزها الزمن وانفضّ من حولها النّاس.

ختاما، مخجل حقا ان يصار بشخص في قيمة سماح ادريس الي المحاكم، فكم نحن بحاجة الي تشجيع وتكريم هذا النوع من المثقّفين العضويين الذين شارفوا علي الإنقراض بوطننا العربي المٌكبَّل بقيود الإستبداد والتعصّب الديني والطائفي والتبعية. كم نحن بحاجة الي مثقّفين من طينة عزمي بشارة، هيثم منّاع، الشهيد سمير قصير، توجان الفيصل، المنصف المرزوقي، رشاد أبو شاور، عبد الباري عطوان، عبد الوهاب المسيري... وغيرهم من حملة الفكر والقلم الذين فضّلوا الإنخراط في معارك التحرّر السياسي والإنعتاق القومي لأمّتهم علي الإستقالة والتخاذل والترويج لقيم الهزيمة والإلحاق. فتحيّة الإكبار لهم وله وللآداب والعار كلّ العار لأعوان الإحتلال و مثقفّيه .

صحافي تونسي


هنا

1 Comments:

Anonymous غير معرف said...

awal mara bach naktablik mais ana dima ntaba3 fik nchalha tkon b5er fi canda 7abit n9olik 5alet blastik fi fac droit nchalha tarj3ana el tunisie labass 7atta kan ma ta3rafnech la fil fac droit la ba3dha ama rani n9adrik w na7tarmik barcha

الأربعاء, مارس 19, 2008 7:01:00 م  

إرسال تعليق

<< Home