الاثنين، فيفري 11، 2008

دفاعا عن ولد باب اللّه لأنّ حريّة السخرية من حرّية التعبير !






الجميع في تونس، من شمالها الى جنوبها ومن كبيرها الى صغيرها، يعلم انّ الزجّ بالهادي ولد باب اللّه في السجن لا يمكن ان يكون بسبب يقظة أجهزة أمننا العتيدة واكتشافها المفاجئ لتعاطيه "الزطلة"، وايضا ـ بقدرة قادر- لمتاجرته في العملة الصعبة. فالرجل يكاد يتحوّل بين عشيّة وضحاها من فكاهي محبوب الى زعيم عصابات خطير، وأرجو فقط الاّ يضيفوا له تهم سخيفة أخرى من نوع: حيازة سلاح ناري أو المشاركة في تكوين خلّية ارهابية تهدف الى قلب النظام واغتيال سفراء الدول "الصديقة"... خاصّة وانّ هذه التهمة "على الموضة" حسب آخر تقليعات سلطتنا القضائية شديدة الإستقلال. مرّة أخرى اذن، يخطئ النظام في حساباته ، فمن خلال سعيه لمعاقبة من يسخر منه سيتحوّل من جديد الى مسخرة العالم بأسره.

قد نختلف مع مضمون فكاهة ولد باب اللّه أو غيره، لكن تلك تبقى مسألة أذواق تختلف من شخص الى آخر. فالسخرية من الشخصيات السياسية وتصويرها بشكل كاريكاتوري هي من أركان حرّية التعبير في المجتمعات الديمقراطية المعاصرة. ومادامت السخرية لا تتعدّى حدود الإحترام لحرمة الشخص المعنوية وما دامت لا تحطّ من قيمته أو تصوّره في وضعيّات مهينة فإنّها تبيت أمرا ضروريا للحدّ من تسلّط السياسيين ، سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة، ولإحداث نوع من التوازن النفسي بينهم وبين بقيّة أفراد المجتمع. وفي حال ما تجاوز الفكاهيون تلك الحدود فليتمّ تطبيق القانون، وان لزم الأمر محاكمتهم فليحاكموا على قد مايكونوا ارتكبوه من مخالفة للقانون، لكن ان يتمّ تلفيق التهم الجاهزة لهم بمنطق التشفّي والثأر الشخصي فذلك أمر لا يمكن السكوت عنه في دولة قانون ومؤسّسات.


قضيّة ولد باب اللّه لا تختلف من حيث شدّة الوضوح وقمّة الإستبلاه للتونسيين عن قضيّة الصحفي السجين سليم بوخذير أو المحامي السجين السابق محمّد عبّو أو عن قضيّة نزع الجنسية عن سهى عرفات... فمرّة أخرى يستعمل نظام الإستبداد القضاء لتصفية حساباته مع من لا يرضى بالطاعة العمياء لإرادته المتجبّرة، والهدف واضح ككلّ مرّة: وهو ان يجعل من الضحيّة عبرة لمن يعتبر، وان يخيف عبر مثاله هذا الشعب المسكين، الذي يراد له ان يقتنع بأنّ قدره هو ان يعيش تحت أقدام الإستبداد طيلة خمسين عاما قضت ولخمسة سنوات قادمة على الأقلّ، حسبما تبّشرنا به المناشدات "الشعبية" و"العفوية" للرئيس الحالي.


فمن الواضح انّ هذا النظام ينوي على ما يبدو اطالة المقام بربوعنا وهو يعمل جاهدا على ضبط حركة المجتمع المتجّهة شيئا فشيئا نحو التحرّر من سلطته. وذلك من خلال إعادة توضيح قواعد اللعبة للجميع وبالأساس للفئات الملتحقة أكثر فأكثر مؤخّرا بال"معارضة"، كالنقابيين وأصحاب الشهائد والفنّانين والشباب الطلاّبي وغير الطلاّبي الخ. انّه يحاول تحذيرهم ومن خلالهم بقيّة أفراد الشعب: ان لاتغترّوا بصبرنا أحيانا على جرأة البعض منكم واضطرارنا لتحمّله لأسباب تتعلّق أساسا بالحفاظ على "بريستسجنا" وصورتنا لدى بعض الدول ، والمؤسّسات المالية العالمية. تلك التي ترضى بإقراضنا مقابل بعض الملامح الكاذبة لحرّية تعبير، هي في حاجة اليها لتبرير دعمهم وحمايتهم لنا أمام رأيها العام.


خلاصة القول، انّ نظام الإستبداد في تونس يريد ان يجعل من الهادي باب الله رمزا لمآل كلّ من تسوّل له نفسه التجرّأ على الإقتراب من "الذوات المقدّسة" التي ترتكز عليها سلطته - وترتكز عليه بدورها وتتمعّش منه -. لكنّ من الواضح انّ هذا الشعب بدأ يتململ رغم كلّ الجهود الحثيثة ل"تزطيله" و"تبنيج" وعيه السياسي، وبدأ يعطي اشارات صحوة متنامية، وان كانت عفويّة وعشوائية أحيانا، تدلّ على رفضه المتصاعد للأوضاع القائمة وعن رغبته في التغيير. علينا اذن الاّ نترك الإستبداد يحوّل الهادي باب اللّه الى رمز جديد للخوف والهوان وان نجعل منه رمزا للضحك على تخلّف هذا النظام والأمل بقرب الخلاص من حقبته المظلمة.

غسّان بن خليفة

م: لمن يريد ان يستمع الى التسجيل الذي بسببه تمت يمكن تحميله من هنا

8 Comments:

Blogger fgujfgu said...

Merci pour L'MP3, c'était hilarant. et chapeau pour Mr Hedi ben baballah. j'espère qu'il sera un exemple pour le peuple tunisien incarnant le courage, la liberté d'expression.
fadina mel répression ! on veut respirer !

الاثنين, فيفري 11, 2008 11:11:00 م  
Blogger الكاتب said...

مرحبا بك يا سيّدتي، نعم أتمنّى ان لا تذهب تضحيته سدى على الأقلّ وان يتفاعل معها التونسيون بشكل ايجابي. وعلى كلّ مهما طال الليل فلا بدّ للنهار ان يطلع

الثلاثاء, فيفري 12, 2008 8:33:00 م  
Anonymous غير معرف said...

للغرب حريته ولنا حريتنا.الثلب والتعدى على خصوصيات الناس ليس من شيمناواذا كان هذاالنهار الذى سيطلع سيأتى الينابالتسيب الغربي الرخيص فلا حاجة لنا بطلوعه لأننا شبعنا من دروس الديمقراطية ونماجذها في ابو غريب وقوانتانامو وشعارها وهو(قولوا ما تشاءون ونحن سنفعل ما نشاء)

الأربعاء, فيفري 20, 2008 3:37:00 م  
Blogger fgujfgu said...

@ anonyme: personellemnt je pense pas que le sketch de Mr Baballah soit une atteinte à la vie privée de Mr Ben Ali. je pense que c t une façon originale de dénoncer ce qui est entrain de se passer . La démocratie est une notion presque utopique, mais ça n'empêche que quelques pays ont fait un long parcours dans ce sens, et que nous sommes en bas de l'échelle.
Les états unis d'Amérique étaient loin d'incarner la démocratie durant dernières années, mais ça n'empêche qu'il y a des gens qui militent, et critiquent pour faire entendre leurs voix et personne n'a jamais été emprisonné pour ça. et supposons que tu as raison, pourquoi avoir collé au pauvre monsieur des crimes qu'il n'a pas commis,dont les peines peuvent aller jusqu'à 20 ans d'emprisonnement.. jugez le pour lèse-majesté si son sketch vous a dérangé à ce point...

الأربعاء, فيفري 20, 2008 9:15:00 م  
Blogger الكاتب said...

- غير معرّف: الحرّية هي الحرّية سواء كانت في الغرب أو في الشرق. أكيد انّ لدينا خصوصيات ثقافية يجب أخذها بعين الإعتبار ، لكن لا أظنّ أنّها تبرّر تلفيق التهم للنّاس ووضعهم في السجون... وعلى كلّ حال، أنا لم أدافع فيما كتبت عن سكاتش ولد باب اللّه وانّما عن حقّه في التعبير وفي ان لا يزجّ به في السجن بشكل انتقامي بدائي.

أمّا فيما يخصّ ابو غريب وقوانتانامو والخ، لا أرى اعلاقة مع الديمقراطية، فتلك مظاهر احتلال بشع، رفضه كلّ أحرار العالم في الغرب والشرق. فرجاد الكفّ عن خلط الأمور وعن ثقافة كراهية الآخر بمناسبة وبغير مناسبة...

الخميس, فيفري 21, 2008 6:56:00 ص  
Blogger brastos said...

الى الغير معرف ..
مادمت تدافع عن الاجراء الانتقامي الذي اتخذ ضده .. فلماذا اذا لا يحاكم بتهمة "الثلب والتعدى على خصوصيات الناس" كما قلت انت .. او "التسيب الغربي الرخيص"..علاش تتحشالو الزطلة في كرهبة موش حتى كرهبتو ..؟؟؟ الاسلوب البدائي هذا ..اشبيك ما تحتجّش عليه ..؟؟؟
ثم بعد هذا الكل ...موش عاهدي بيهم هاك العام يحكيو على انو وقع تأسيس نقابة للفنانين ؟؟؟ ويني ؟؟؟ يبدولي لاهيه تعارك عالكاشيـّـات ...

الاثنين, فيفري 25, 2008 9:18:00 م  
Anonymous غير معرف said...

مع العلم ان هذا الفكاهى لا يعيش فى سويسرا او السويد بل في تونس ولذلك فاننا فخورون بقائد اسمه زين العابدين بن على

الثلاثاء, فيفري 26, 2008 10:52:00 م  
Anonymous غير معرف said...

أنا لا أدافع عن طريقة محاكمته ولكننى مستاء من اللذين ينظرون للغرب على انه مثال فى حرية التعبير ويريدون نقلهاالينا بحذافيرها والكل يعلم انهم ابعد الناس عنهاوقد سبق ان لجموا الافواه لعقود وقتلوا المعارضين وسرقوا الثروات ومازالوا لكنهم يستعملون طرقا خبيثة فى ذلك يصدقها الكثير من الناس وتنطلى عليهم أما العرب والشرق عموما فهم عاطفيون جدا ولذلك تبقى أساليبهم مكشوفة اكثر فنحن قوم نحب بعنف ونكره بعنف ونتشفى بعنف ونسامح فى لحظة لكننا نبقى نتمتع بوضوح شديد لا نقدرعلى اخفائه عكس الغرب اللذى يستطيع القتل والسير فى الجنازة فى ان واحد.وحكامنا هم منا والينا ولم يأتوا من المريخ وطباعهم كطباع عامة الناس ونحن كلنا لا نستطيع قبول هذا النوع من الفكاهة ويفور دمنا عند اول تجربة وأنا هنا لا اطالب بوضع ولد باب الله فى السجن ولكننى أقر بأن ما تقبله الخاصة فى نوادى الروتارى لا يمكن أن يقبله المواطن فى تونس العميقة وانا على يقين أن حكامنا من العرب والمسلمين هم أكثر ديموقراطية ألف مليون مرة من حكومات أوروبا وامريكا وسيأتى اليوم اللذي سيكتشف فيه الجميع ذلك لأن حبل الكذب قصير واسألوا عن ذلك مالكوم ايكس وأليندى وصدام وفيصل وابى بياروتابي ومانديلا ونواز وكينيدى وعمدة لندن وياقوت سيراليونى ونفط العراق الهوتو والتوتسىواطفال لارش دى نوىودارفور وصمغ السودان واورانيوم النيجر وزهور القموروووووو

السبت, مارس 22, 2008 4:01:00 م  

إرسال تعليق

<< Home