السبت، ديسمبر 01، 2007

من مدريد الى أنابوليس..عود على بدء


من مدريد الى أنابوليس..عود على بدء

غسّان بن خليفة

نوفمبر 1991 - نوفمبر 2007. بعد قرابة العقدين على مؤتمر بوش الأب، هاهو ابنه يوزّع بدوره الدعوات الى مؤتمره الخاصّ للسلام...

ستة عشر عامًا مرّت ومازلنا في مربّع الإنطلاق، أو بالأحرى تراجع العرب الى مربّعات أكثر تأخرًا ممّا كانوا عليه وقتها.

اذا كان الكلّ تقريبا تقدّم الاّ نحن نتراجع القهقرى، فلا غرابة اذن اذا إكتشفنا قريبا انّ مؤتمر آنابوليس لا يعدو ان يكون نسخة مكرّرة رديئة من مؤتمر مدريد. سمعنا نفس الكلام المعسول عن الحقّ والتاريخ وعن الدولة الفلسطينية المنشودة وعن السلام العادل والشامل والمبادرة "العربية" وخارطة الطريق... و"تلقّينا"، خاصّة، الأوامر فيما يخصّ محاربة "الإرهاب" والإعتراف بحقّ "الشعب اليهودي" في الوجود على "أرضه التاريخية" والخ .

فواهم من يعتقد ان قلب بوش الإبن قد رقّ وصار أكثر انسانية من والده وانّ قدراته الذهنية المتواضعة استوعبت أخيرا عدالة قضية الشعب الفلسطيني، أو أنّه حلم بالله يخاطبه ذات ليلة ويطلب منه ان يجد حلا للفلسطينيين المساكين. هذا المؤتمر هو حفل علاقات عامّة له هدفان لا ثالث لهما: الأوّل، القاء عظم للحكّام العرب اسمه "وعد الرئيس بوش بدولة فلسطينية - بغضّ النظر عن تفاصيل هذه الدولة من مساحة ودرجة سيادة وقدس ولاجئين- "، لإعانتهم على ايجاد سبب واه يبرّرون به أمام شعوبهم تطبيعهم المفضوح مع اسرائيل وانخراطهم المنتظر في الحرب الأمريكية القادمة في المنطقة على ايران. وربّما ايضًا على "شقيقتهم" سوريا... والثاني هو اضعاف جبهة الممانعة : حماس وحزب الله وايران وسوريا التي تعلم مسبقًا أنّها لن تحرّر هضبة الجولان في آنابوليس..(ولا في بيروت ايضًا)

للأسف، المعادلة صارت أوضح من الوضوح في المنطقة، محور استعماري أمريكي اسرائيلي (انضمّت اليه مؤخرا فرنسا الساركوزية) مقابل محور ممانعة ايراني سوري (ومعه حركات المقاومة كحماس والجبهة الشعبية وحزب الله وغيرهما) . أقول للأسف، لأنّه مرّة أخرى، سيجد الوطنيون التقدّميون العرب، من وحدويين وعلمانيين ويساريين، أنفسهم مخيّرين بين ناريْن: نار الإستعمار ونار الرجعية_من الناحية الثقافية والإجتماعية أو المحافظة ان شئتم. وسينحازون رغماً عنهم، متأسّفين، الى محور المحافظة الممانعة الذي يلعب اليوم، موضوعيا، دورا تقدّميًا في القضية الوطنية، يسمح على الأقلّ بتواصل المعركة وبتأجيل الهزيمة النهائية وبالأمل في إسترجاع الحقوق المشروعة يوما ما. ولأنّ ذلك يمنع ايضا تحوّل المنطقة الى ساحة مستباحة للأمريكان والصهاينة، تتنازعها الصراعات الطائفية والدينية والمذهبية، كما تقتضيه سياسة "الفوضى الخلاقة" التي أعلنت عنها سابقا كوندوليزا رايس...

كما سنرى، مثلما رأينا في محطّات سابقة، علمانيون ويساريون فاشلون تحوّلوا الى "متلبرلين جدد"، سينحازون الى المعسكر المقابل دفاعًا موهوما منهم عن "الحداثة" و"العلمانية" ..و"الحرّية" ! لكن ما تقدّم ذكره، لا يمكن ان يكون مبرّرًا يمنع القوى اليسارية والعلمانية والوحدوية العربية من الثبات على مبادئها ومشاريعها ومن توحيد صفوفها على الحدّ الأدني من قيمها التقدّمية، بغضّ النظر عن الرؤى والتقييمات المختلفة. كما لا يمنعها توحّدها الموضوعي اليوم مع القوى المحافظة ضدّ الهجمة الإستعمارية الخارجية وتوابعها الإستبدادية داخليا، من التباين مع هذه القوى المحافظة والتصارع معها في مجالات الإختلاف المعروفة. والى ان يحين ذلك، سننتظر بعد "آنابوليس"، عقدا أو اثنين آخريْن ليطلّ علينا بوش جديد ليدعو "الزعماء" العرب الى فسحة جديدة في إحدى ضيعات الولايات المتّحدة ويطلق عليها "مؤتمر سلام"...