"المدوّنون" التونسيّون يرفضون الرقابة على الأنترنات
"المدوّنون" التونسيّون يرفضون الرقابة على الأنترنات
في حوار مع قناة "تونس 7" منذ حوالي أسبوعين، فنّد السيّد عادل قعلول مدير الوكالة التونسيّة للأنترنات كلّ الإنتقادات الموجَّهة إلى وكالته، إذ عدّد كما هي عادة المسؤولين التونسيّين إنجازات الدولة في مجال الأنترنات، وتحدّث بإستفاضة عن المشاريع المستقبليّة، وإكتفى في ردّه على سؤال بدا جريئًا من معدّ البرنامج، عن حقيقة الرقابة التي تمارسها الحكومة على شبكة الأنترنات بالنفي المطلق لذلك وبالإجابة التقليديّة المعهودة بأنّ مصلحته لا تحجب الاّ المواقع الإباحيّة...
وبغضّ النظر عن المجادلة في مدى أهليّة الحكومة لأن تقرّر وحدها من منطلق "أخلاقي" ما يجوز لمواطنيها ان يزوروا من مواقع، يبرز إلى السطح سؤال ملحّ حول مدى حقيقة هذا الكلام في ظلّ تزايد تشكّيات مستعملي الأنترنات من تدهور جودة هذه الخدمة، والإحتجاجات على ما تمارسه المصالح الرسميّة من رقابة أتت على الأخضر واليابس من مواقع ومدوّنات تجرّأت على الإقتراب من مواضيع تخصّ مجتمعنا، سيما منها ما يتعلّق بالشأن السياسي، وان كان ذلك بشكل معتدل ونقدي بنّاء. الأمر الذي أثار احتجاجًا واسع النطاق بين المدوّنين التونسيّين في المدّة الأخيرة...
رقابة صارمة وغير معلومة المعايير
صنّفت منظّمة "مراسلون بلا حدود" في تقريرها حول "حرّية الصحافة في العالم سنة 2006" تونس في المرتبة 148 (من بين 168 دولة شملها التقرير)، كما دأبت هذه المنظّمة وغيرها من الهيئات المهتمّة بحرّية الإبحار على شبكة الأنترنات على إعتبار تونس كإحدى الدول "العدّوة للأنترنات". وقد يستغرب المرء ان تأتي تونس في هذا الترتيب وراء دول شهدت مقتل صحفيّين (مثل روسيا التي تحتّل المرتبة 147)، لكن حيرته سرعان ما تزول عندما يطلّع على المعايير المعتمَدة في إعداد هذا التقرير ومن أهمّها: سجن الصحفيّين وأصحاب الرأي، سجن مستعملي الأنترنات، الإعتداء على صحفيّين أو تهديدهم، الرقابة المباشرة وغير المباشرة على الصحف، إحتكار وسائل الإعلام العامّة أو الخاصّة... وهي كلّها للأسف أمور مازالت تعاني منها بلادنا.
وفيما يخصّ شبكة الأنترنات، لاتزال السلطات في بلادنا تحجب كلّ المواقع التّي تتجرّأ على نشر أخبار أو أراء لا توافق الخطاب الرسمي للحكومة، وتشمل الرقابة في هذا الصدد مواقع أحزاب المعارضة، والجمعيّات التونسيّة وغير التونسيّة المهتمّة بأوضاع حقوق الإنسان أو الحرّيات بصفة عامّة (موقع مراسلون بلا حدود، موقع منظّمة العفو الدوليّة...)، كما ينسحب الأمر ذاته على منتديات النقاش التي يرتادها الشباب التونسي من داخل البلاد أو خارجها كمنتدى "نواة" أو "تونيزين"، بينما تُمارَس ضغوطات مباشرة وغير مباشرة على منتديات أخرى تعمل انطلاقًا من تونس، من أهمّها www.mac125.com الذي اضطرّ مالكه إلى إغلاقه أيّام القمّة العالميّة للمعلومات التّي جرت ببلادنا سنة 2005 بسبب تعدّد المواضيع الحواريّة السياسيّة، فضلاً عن انّ هذه المنتديات تعلن بشكل واضح "منع" تناول الشأن السياسي الداخلي على صفحاتها، الأمر الذي قلّ ان التزم به مرتادوها من الشباب المتعطّش لمناقشة أوضاع بلاده مثلما يناقش أوضاع فلسطين والعراق وحتّى فرنسا والولايات المتحّدة...
يُلاحَظ أيضًا انّ هذا المنع يطال أحيانًا مواقع لا علاقة لها لا بالسياسة الداخليّة ولا بالإباحيّة أو"البورنوغرافيا"، إذ طال أيضًا مواقع ذات صبغة فنّية متخصّصة في فنّ الرسم على الجسد the body painting مثلاً، أوصفحات بعض المواقع المعرفيّة مثل الموسوعة المفتوحة "ويكيباديا".. ممّا يدفع إلى التساؤل عن المعايير المُتبّعة لدى المشرفين على هذه الممارسات...
المدوّنون التونسيّون: شباب غير مسيّس متمسّك بحقوق مواطََنَتِه
تطوّر شبكة الأنترنات وما تختزنه من إمكانيّات للتفاعل والإنفتاح على تجارب الأخرين في مختلف أصقاع العالم أدّى إلى بروز ظاهرة التدوين الإلكترونيblogging بتونس، وهي تتمثّل في سهولة إنشاء موقع شخصي صغير، يمكن لصاحبه ان ينشر عليه أرائه وخواطره التّي قد تتراوح بين التعليق على التفاصيل البسيطة للحياة اليوميّة، وبين تحليل الأحداث العالميّة، إضافة إلى ما يعجبه من مقالات وصور أو لقطات فيديو وموسيقى وغيرها، مع إمكانيّة فتح نقاش مع أيّ مستعمل للإنترنات في العالم حول محتوى تلك المواضيع. تتسّم المُدَوَّنات بتنوّعها وبصعوبة مراقبتها، فهي ظاهرة ما فتئت تنتعش في البلدان التّي تُحترَم فيها حرّية المواطنين في التعبير عن أرائهم، ممّا يفسّر "الإصطدام" الذي جرى مؤخّرًا بين "شرطة الأنترنات" والمدوّنين التونسيّين. الأمر بدأ عندما كثّفت المصالح المختصّة في مراقبة الأنترنات في بلادنا، والتي لا تعلن عن نفسها وتقوم بحجب المواقع التّي لا تعجبها دون أيّ إعلام أو تبرير، من مراقبتها للمدوّنات وقامت يوم 19 ديسمبر الفائت بمنع الدخول إلى ثلاث مدوّنات انطلاقًا من تونس وهي على التوالي : Samsoum-Usa, SamiIII, Felsfa . مدوّنات لشبّان تونسيّين لا ينتمون للمعارضة وندر ان تطرّقوا بشكل عرَضي للشأن السياسي الداخلي، انتقدوا فيها أمورا معروفة لدى كلّ التونسيّين كإستغلال النفوذ، والرشوة ، ووضع وسائل الإعلام من خلال وقائع يوميّة عاشوها بأنفسهم، فهم كما يقول "مواطن تونسي"، وهواسم مستعار لشابّ تونسي كانت مدوّنته ضحيّة لموجة الحجب الأخيرة، يعتمدون التدوين "كعلاج ضدّ اللامبالاة".
هذا الأمر وان لم يكن جديدًا مثّل تصعيدًا غير مبرّر استفزّ جموع المدوّنين، الذين قرّروا في سابقة هي الأولى من نوعها ان يحتجّوا بشكل جماعي على ما حدث، فقاموا بتنظيم "اضراب عن الكتابة" دام طيلة يوم 25 ديسمبر 2006 ، أطلقوا عليه إسم "يوم التدوينة البيضاء"، وقد لاقى هذا الإضراب تجاوبًا واسعًا نسبيًا إذ شارك فيه ما لايقلّ عن ثلاثٍ وثمانين مدوِّنِ ومدوّنة من تونس، إضافة إلى تضامن عديد المدوّنين في العالم، كما عبّر عدد أخر من مستعملي الأنترنات التونسيّين عن مشاركتهم أو تضامنهم في عدد من منتديات النقاش مثل www.kafteji.com الذائع الصيت الذي يضمّ الافًا من الشبّان التونسيّين المزوالين لدراستهم بالخارج.
ما جرى في أوساط "الجماعة الإفتراضيّة" التونسيّة قد لا يبدو ذا أهميّة بالغة لدى البعض، لكن المثير للإنتباه انّ الأمر يتعلّق هذه المرّة بمواطنين تونسيّين لا علاقة لمعظمهم بالمعارضة، ملّوا من الأوضاع المتردّية للحرّيات ببلادهم، وقرّروا ان ينظّموا صفوفهم في مبادرة مواطنيّة مستقلّة، يقول "مواطن تونسي" أنّهم أرادوا من خلالها توجيه رسالة لأصحاب القرار ببلادنا مفادها " انّنا بحاجة إلى حدّ أدنى من الحرّية نعتقد أنّه مفقود، ونتمنّى ان نعبّر من دون قيود عن أرائنا عندما لا يتعلّق الأمر بأفكار متطرّفة أو فيها مسّ بأمن بلادنا، وهو أمر يهمّنا جميعنا المحافظة عليه. وأنّنا في تونس في حاجة ماسّة إلى إرساء متدرّج لتقاليد التعبير الحرّ الكامل، لأنّ التونسي بلغ درجة من الثقافة والوعي تؤهّله للمطالبة بذلك...".. فهل من مجيب؟
غسّان بن خليفة
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home