الثلاثاء، أكتوبر 10، 2006

اطلقوا " أجسادنا الرهينة"...relâchez nos "corps otages"!...




رسالة الفاضل الجعايبي الى وزير الثقافة...


تونس في 21 «أوت» 2006
الى معالي السيد محمد العزيز ابن عاشور
وزير الثقافة والمحافظة على التراث


بعد التحية

يشرفني معالي الوزير مكاتبتكم مجدداً لإبلاغكم مدى تأثرنا العميق أنا والمجموعة التي سهرت على أنجاز مسرحية «خمسون» بالمكتوب الذي بعثت لنا به ادارة الفنون الركحية بتاريخ 15 تموز الجاري بعد مماطلة دامت شهرا ونصف شهر (رغم امد الاسبوع الذي ينص عليه الامر المتعلق ببعث لجنة التوجيه المسرحي) طالبة منا حذف عشرات الاسماء والتواريخ والتعابير فالفقرات المختلفة فالصفحات الكاملة ضاربة عرض الحائط ادنى مستويات الحق في التعبير الفني الحر والفكر المستقل في بلادنا والاختلاف في الرأي التي وصلنا إليها في ممارسة مواطنتنا ومباشرة فننا عبر السنين.

أنتم تعلمون يا معالي الوزير اننا مضينا نمارس بلا انقطاع منذ اكثر من ثلاثة عقود مسرحا شفافاً صريحا «نخبويا للجميع» ما انفك يطوّر خطابا وجماليات تسعى للارتقاء بالفكر والذوق العامين ايما ارتقاء حتى اصبح لنا رصيد كبير واعتبار حقيقي فاعتراف وطني ودولي كبيران.

اليوم وقد تقدمنا في خطابنا وجمالياتنا وتقنياتنا بفضل ما حضينا به من إحاطة واعتراف داخل الحدود وخارجها نواجه باحتقار وقساوة واعتباطية لم يسبق ان عوملنا بها أبداً من قبل اذ كل اعمالنا منذ السبعينيات الى مسرحية «جنون» لم يسبق ان حذف منها ولو حرفا واحدا رغم حدة طروحاتها وقساوة محتوياتها وصلابة لغاتها ولهجاتها. فلجنة «التوجيه» اليوم نسيت او تناست اننا أناس واعون ومسؤولون عما نقول، مدافعون على مبادئ كرّسنا حياتنا كلها في خدمتها دون تردد ولا تراجع، مستقلون عن كل التيارات، ممارسون حقنا الشرعي في التعبير، محترمون لقوانين البلاد وللعباد، رافضون للتهميش والاقصاء بكل انواعه.

لكن لجنة «التوجيه» رأت اليوم ان لها الصلاحية الكاملة لتوجيه أناس مثلنا وهديهم الى «الطريق المستقيم» ونهيهم عن مزالق النقد وربما التصدي لمتاهات الصيد في الماء العكر، فوجوب حثهم على تدارك ما قد يخل بالذوق العام والسياسة الرسمية والاخلاق الحميدة وبالدين وضرورة احترام الآخر الخ... الخ... مع عدة اعتبارات اخرى تراءى لها مطالبتنا بتركها وكأننا مراهقون مغرورون غير راشدين. ونسيت هذه اللجنة او تناست ان العمل المسرحي مهما كان اقترابه من الواقع هو ليس نقلا خاما ولا علاقة له بالعمل الوثائقي بل هو ضرب من ضروب تكريس الخيال الشعري عند الفنان الناظر الثاقب المتربص الواعي بمجتمعه الشاهد على عصره مثبتا نظرة حادة خالصة مخلصة لا يجوز البتة الشك ولا التشكيك فيها ولا في مواطنته او في حبّه لبلده والذود عنه بطروحات وتحاليل ومقاييس ربما تختلف عن طروحات ومقاييس اخرى إذ ان الحقيقة والبحث عنها ليسا حكرا على احد.

اليوم يا معالي الوزير وفي تناقض تام مع ما أذن المسؤول الاول في تونس من زمان بتعزيزه والدفاع عنه تطالبنا اللجنة المتعهدة بتوجيه أفكارنا وحرية تعبيرنا.

أولاً: بحذف كل الاسماء العلم الواردة في نصنا وحتى الألقاب المشبوه فيها (؟) كاسم «وسيلة» مثلا ولا ندري لماذا هذا اللقب مشبوه فيه (وكأننا وصلنا الى حد التفاهة والسذاجة حتى نسقط في الاسقاطات البدائية الرخيصة ونصفي حسابات لا اساس ولا معنى لها ولا هدف وراءها) والحال ان كل مسرحياتنا وأفلامنا لشخصياتها اسماء وألقاب وصفات اجتماعية وعناوين وافكار وهواجس تقام عليها وهي مسؤولة عنها إذا صح التعبير لان لها هوية وتاريخا وذاكرة تتصف بها وتحاسب عليها جميعا.

فإذا كان في منح شخصياتنا الخيالية اسماء تذكر بأسماء شخصيات معروفة او غير معروفة فذلك كما يدرج في مدخل كل الاعمال الخيالية هي من محض الصدف ولا علاقة لها بالواقع. وإذا اثبتت هذه الاسماء والألقاب نيّة مبيتة من طرف منتجي العمل الفني لسلب او المس من سمعة او كرامة اي كان فعلى المعني بالامر متابعة الفنانين الآثمين قضائيا كما ينص على ذلك القانون.

ثانياً: مضت يا معالي الوزير لجنة توجيهنا هذه المجتهدة في توعيتنا بالصالح والطالح بالممكن واللا ممكن بالمسموح به وبالممنوع مطالبة إيانا حذف كل التواريخ الواردة في سردنا وفي كل أحداث مسرحيتنا مارة من تواريخ ولادة اشخاص خيالية الى تواريخ متعلقة باحتفالات وطنية او احداث داخلية او حتى عالمية والحال ان مسرحية «خمسون» كما يشير لذلك عنوانها هي متحدثة عن خمسين عاما مرت على تاريخ تونس المعاصر وبالتالي فإن للتواريخ والأحداث والاماكن دور هام للتوعية او للتذكير لكي لا يخال ان ما يجري معلق لا مكان ولا زمان له.

هذا ما طلب منّا معالي الوزير ونحن نمارس بلا هوادة منذ اكثر من ثلاثين عاما مسرحا ما انفك يعرّف بنفسه كمسرح «الآن وهنا» مسرح متعلق بالحداثة والمعاصرة كل تعلق منبثق عن الواقع ولكنه متجاوز له في ضرب من ضروب التأمل الشعري والبحث الفني المخبري والسرد الخيالي. فأعمالنا السابقة كلها مؤرخة بتواريخ تثبت ان الاحداث جرت في السنين التي نطرح فيها قضايانا ونمعن بحوثنا. الاسقاطات ليست من اختياراتنا ولا من قناعاتنا. فهل ادركت لجنة توجيهنا ان هذا يسمى تراجعا وانزلاقا الى الرفض والقمع!

ثالثاً: لجنة التوجيه طالبت بحذف عشرات التعابير والالفاظ التي بدت لها نابية او مخلة بالذوق العام والحال ان المسرح الذي نمارسه مدجج بها منذ السبعينيات لانها تحكي على وعي وحسّ وشاعرية وقابلية للتفاعل مع الواقع الشيء الذي جعل جل نصوصنا تدرس في الجامعات التونسية ك»غسالة النوادر» و»التحقيق» و»فاميليا» و»جنون» وغيرها...

رابعاً: على مستوى اخطر من كل هذا إذ هو يمس بحقنا في التعبير الحر وحقنا في اختلاف الرأي والطرح دون وصاية ولا رقابة هذا الحق الذي طالما اثبت الخطاب الرسمي لتونس المستقلة منذ البداية وفي أعلى مستوى ضرورة وجوده لدى المفكر والفنان دفاعا على «ثقافة الامتياز» وعدم تهميش المثقف مرددا شعار «لا لتهميش الثقافة ولا لثقافة التهميش».

لقد صعقنا يا معالي الوزير بمجازفات لجنة توجيهنا رغم تجربتنا الطويلة وممارستنا العريقة المسموح بهما مسرحا وسينما وبتطاولها على الخطاب الرسمي وتناقضها معه والسقوط في تجاوزات تخل بنظام ينادي يوميا بحق التعددية الفكرية وممارسة الديموقراطية الواعية المسؤولة.

لجنة توجهيهنا رأت اليوم انه من الضروري اقصاء فكرنا المخالف ونظرتنا المستقلة. وكأن مواجهة زحف الفكر الاسلامي المتطرف الذي نتناوله جوهريا وأساسا في مسرحية «خمسون» ليس من القواسم المشتركة بين الجميع حكومة ومفكرين صادقين وفنانين مؤمنين. وكأن هذا ينفي واجبنا ككل الاطراف في بلدنا للذود عن وطننا خوفا من انزلاقه في مهالك التطرف الديني والوحشية الاجتماعية وقانون الغاب وتغييب كل المقاييس الحضارية ونسيان الذاكرة فتلاشيها.

فلما يقول المحقق في مسرحيتنا مثلا: «آش نية علاقة إسلام الطاهر بن عاشور بإسلام مصعب الزرقاوي؟ آش نية علاقة إسلام مفتي جامع الأزهر بإسلام اسامة بن لادن؟» فهل من المعقول ان تقرر لجنة توجيهنا حذف هذا النص؟ كما حرمنا يا معالي الوزير من الاستشهادات القرآنية في كل الحالات وكأن القرآن حكر على احد دون غيره. فبينما للسياسي الصلاحية الكاملة بالاستشهاد به في خطبه ومنابره وللاعلامي الحق في استعماله كلما اقتضى الامر وللمربي واجب عليه التذكير بقيمه وخصاله يظل الفنان لا حق له في استعماله ولو على لسان مسلم حقيقي او إسلامي ضال دخل في تناقض بين ما يقول وما يفعل.

معالي الوزير

لا شك ان التقرير الذي بعثت به لنا لجنة التوجيه التابعة لادارة المسرح هو على مكتبكم ومن الممكن لديكم تصفحه وتصفح النص المسرحي الذي قضى عليه اعضاء هذه اللجنة اعتباطا وجهلا (في الواقع النص الذي فحص من طرف اللجنة ليس هو نص العرض الذي تطور قبل ان يقدم في عروضه الاولى بمسرح «الأوديون» في باريس والذي تغيّر منه الكثير مما رأت لجنة التوجيه وجوب حذفه لكن الجوهري فيه باق). فأمام هذا الوضع الخطير الذي نؤكد ان لا سابق له في كل مشوارنا الفني والذي بات محبطا لعزائم كل الساهرين منّا على رفع كلمة الحق والدفاع عن مسرح واعٍ وراقٍ ومسؤول، هذا الوضع المتكبد لدينا بخسائر مادية كبيرة والمحيل دوننا وممارسة مهنتنا ومورد رزقنا الشريف، فإنه يحتم علينا ان نرفع لدى معاليكم خيبة أملنا واستياءنا ورفضنا القطعي لكل ما جاء في تقرير لجنة التوجيه المسرحي (التي لا نعرف الى يوم الناس هذا المقاييس الحقيقية لديها والمتعلقة بالممنوعات الفنية والأمنية حتى يتسنى معرفتها لدى الجميع لتلاقي المزالق والتجاوزات القانونية الحقيقية لا الوهمية الاعتباطية لدى كل الاطراف واجتناب ما نحن وصلنا إليه اليوم).

وإذ نحن نعتبر في هذه الظروف قرارات هذه اللجنة ردعا وطعنا في حرية التعبير التي وصلنا إليها بفضل اجتهاداتنا ومثابراتنا منذ سنين والتي لا نقبل التنازل عنها ولا التراجع في مكتسباتها، فإننا نناشد معاليكم لاخذ كل التدابير التي ترونها صالحة خدمة ودفاعا عن المسرح التونسي وصورة تونس في الداخل والخارج التي أمسينا منذ ثلاثين عاما من أهم المدافعين عنها وأعرقهم.

الفاضل الجعايبي

? من المفارقات الغريبة التي تدعو الى التساءلات حول الفصام فإن لجنة التوجيه التي عبثت بنصنا وبعرضنا اتصلنا بعد العرض بقليل بأغلب اعضائها الذين اكدوا لنا ان هذا العمل الذي شدهم كثيراً وصفقوا له طويلا حظي لديهم بملاحظة «حسن جداً».

عن جريدة السفير اللبنانية
المصدر: موقع المشكات

3 Comments:

Blogger Big Trap Boy said...

J'ai entendu parler de cette lettre mais je viens de la lire ici. C'est vraiment une "Mahzla" d'interdire une pièce de théatre en l'an 2006. On se croirait dans une autre époque!

الأحد, أكتوبر 15, 2006 8:14:00 م  
Blogger Big Trap Boy said...

ya nésr, ti winek ma 3adech sém3in bik? Ayya barra 3idek mabrouk ou bellehi a3mal 3liyya talla fel 7anout sé3a sé3a
:))

الثلاثاء, أكتوبر 24, 2006 7:44:00 م  
Blogger الكاتب said...

أهلا بالمعلّم
:-)


عيدك مبروك..، انت وكلّ زوّار المدوّنة
...

هاني عملت عليك طلّة في حانوتك..الى اللقاء

;-)

الجمعة, أكتوبر 27, 2006 1:33:00 ص  

إرسال تعليق

<< Home