الاثنين، أكتوبر 29، 2007

متى يحترم بعض إسلاميّينا شركائهم في الوطن؟

ردًا على مقالات السيّديْن عبد الحميد العدّاسي والهادي بريك وآخرين

متى يحترم بعض إسلاميّينا شركائهم في الوطن؟

غسّان بن خليفة

اطّلعت كبقيّة قراء نشريّة "تونس نيوز" الغرّاء، على مقاليْ السيّدين عبد الحميد العدّاسي والهادي بريك المنتسبيْن_على مايبدو_ الى حركة النهضة الإسلامية. اذ تعرّض السيّديْن المحترميْن في مقاليهما الى البيان الصادر عن هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيات حول حرّية الإعتقاد والضمير. كما اطّلعت ايضًا على مقالات أخرى تصبّ في نفس المعنى، آلا وهو مهاجمة هيئة 18 أكتوبر واتّهامها بالخروج عن أهدافها الأصليّة وبالتنكّر لهويّة الشعب التونسي وما الى ذلك من الإتّهامات...

سأبدأُ بنصّ السيّد الهادي بريك، الذي لم أتمكّن من متابعة كلّ حلقات مقاله المطوّل، لضيق الوقت وكثرة المشاغل اليوميّة، لكنّي صدمت كفاية بعد قراءة ماورد في حلقته الثامنة والأخيرة حيث وصف هيئة 18 أكتوبر بأنّها "شركة أوصد بابها الشيوعيون".

بادئ ذي بدء، ليسمح لي السيّد بريك بأن أذكّره بأنّ هيئة 18 أكتوبر لمّا أعلنت عن قيامها في بيان أصدرته بالمناسبة في ديسمبر 2005، كانت شديدة الوضوح في تحديدها لأهدافها. اذ ذكر البيان التأسيسي الذي ناقشه وشارك في إعداده ممثّلون عن مختلف تيّارات الهيئة، بما فيها الطرف الإسلامي، انّها بالموازاة مع نضالها من أجل تحقيق الأهداف الثلاث المُعلَن عنها في إضراب الجوع، ستطلق حوارًا فكريا سياسيًا بين مختلف مكوّناتها يهدف الى توضيح نقاط التوافق والإختلاف بينها، بما يمهّد لصياغة "عهدٍ ديمقراطي". عهدٍ يمثّل الوثيقة المرجع المتضمّنة للخطوط العريضة للبديل الديمقراطي المنشود، الذي تطرحه المعارضة الديمقراطية على الشعب التونسي ونخبه كي يكونوا سندًا لها وينخرطوا معها في معركة التغيير الديمقراطي. كما يمثّل وثيقة مشتركة تقول فيها الهيئة لكلّ المشكّكين في تجانسها وفي صدق نوايا أطرافها، انّ مكوّناتها قد اجتمعت على هذا وهذا رغم إختلافها وخلافاتها حول كذا وكذا. عهد يُفتَرض ان يمثّل وثيقة تاريخية ذات قيمة معنوية ورمزية، تحتكم اليها أطراف المعارضة حاليًا وأطراف الحياة السياسية مستقبلاً، بحيث يُعتَبر من نقضها أو انقلب عليها، خارجًا عن إجماع النخب المناضلة للشعب التونسي في مرحلة الكفاح ضدّ الإستبداد. هذا هو أصل وسبب التناقش حول هذا العهد، أو الميثاق، الديمقراطي الذي أرى شخصيًا ضرورة ان يضاف الى الدستور التونسي يوم تتحرّر بلادنا من الإستبداد.

وعليه، فلا مجال الى ان يتّهم السيّد بريك الشيوعيّون، أو غيرهم، بتحويل مسار الهيئة الى "مكتب دراسات" فذلك محض افتراء وكلام لا أساس له من الصحّة. وان لم يقتنع السيّد بريك بما تقدّم، فليراجع تصريحات السيّد علي العريّض، الناطق بإسم حركة النهضة بتونس، على صفحات جريدة "الموقف"، أكثر من مرّة خلال السنة الأخيرة والتي دافع فيها بكلّ وضوح عن الحوار الفكري صلب هيئة 18 أكتوبر. وليعذرني السيّد بريك لعدم قدرتي ، بسبب ضيق الوقت، على مدّه بالتواريخ الدقيقة لتلكم التصريحات، الاّ أنّها، على ما أعلم، قد نُشِرت في إبّانه على صفحات "تونس نيوز" ولا أظنّه جاهلاً بها.

أمرّ الى مقال السيّد عبد الحميد العدّاسي الذي إختار له عنوانًا " الإصرار على الإثم"، لأسئله عن الشيء الذي يجعله ينصّب نفسه مفتّشًا عن ضمائر الناس؟ فبعد ان رأيناه يشكّك في إسلام الدكتورة سلوى الشرفي وينعتها بأقذع النعوت، هاهو اليوم ينتصب من جديد ليحدّد لنا ايّ دين يجب ان يدين به التونسيون وبالتحديد أعضاء هيئة 18 أكتوبر. فعندما يتسائل السيّد العدّاسي بإستغراب متساذج " هل كان بين المجتمعين مَن لا يدين بالإسلام حتّى يقع الحديث عن المنطلقات العقائدية؟!..." أسأله بدوري، هل سمعت بشيوعي يعتنق دين الإسلام أو غيره من الأديان؟ أم هل نسيت انّ من أعضاء هذه الهيئة شيوعيّون وعلمانيّون ليسوا بالضرورة مسلمين؟

نعم يا سيّدي، اسمح لي بإخبارك، ان كنت لا تعلم، انّه هناك تونسيّون وتونسيّات لا يدينون بالضرورة بالإسلام وليس من حقّك او من حقّ غيرك ان تحرمهم من ممارسة حقوقهم كمواطنين ومواطنات كاملي الحقوق أو ان تنزع عنهم شرف النضال ضدّ الإستبداد، بل وشرف الدفاع عن كافة ضحايا هذا الإستبداد بما فيه الإسلاميين. أنا شخصيًا يا سيّدي، علماني يساري، لا أعتبر نفسي مسلمًا بالمعنى المتعارف عليه للمسلم في مجتمعاتنا، فأنا أحد كثيرين من التونسيين والتونسيات الذين طالما دافعوا عن الإسلاميين في محنتهم ودفعوا ثمنًا لذلك قمع السلطة وهجمات العلمانيين المتطرّفين. كما كنت ككثيرين من مناضلي ومناضلات اليسار الطلاّبي، على علاّته وهناته، ممّن دافعوا بصدق وبمبدأية عن المتحجّبات الممنوعات من حقّهن في الدراسة ولم ينظروا الى عقيدة هؤلاء الفتيات أو انتمائهنّ السياسي أو الإيديولوجي. لماذا، في الوقت الذي يدافع فيه العلمانيّون المعتدلون في حركة 18 أكتوبر عن حقّ الإسلاميين في النشاط السياسي القانوني، محاولين إقناع المشكّكين من اللائكيين المغالين بأنّ الإسلامي هو انسان كغيره، قادر على ان يراجع أفكاره وان يهدم أصنامه الإيديولوحيّة مثله مثل العلماني أوالشيوعي أو القومي، وان يصير ديمقراطيًا يحترم حقّ الإختلاف ولا يهدّد الحرّية الفرديّة لغير المسلمين أو للمسلمين المختلفين عنه في فهمهم للدين، لماذا مقابل ذلك يقوم السيّد العدّاسي وبعض الإسلاميين المنتمين لحركة النهضة، بما في ذلك الشيخ راشد الغنّوشي، والذين نقول عنهم أنّهم إسلاميون معتدلون وديمقراطيّون، بالتسفيه المتواصل لكلامنا ولحججنا؟

بأيّ حق مثلاً يسمح السيّد العدّاسي لنفسه ان يصادر على المستقبل وعلى ضمائر التونسيين والتونسيات ويقرّر في مقاله أنّه لا مجال لدين جديد في تونس؟ وبأيّ حقّ يفرض علينا السيّد العدّاسي القرآن الكريم كمصدر أوحد للإحتكام؟. ألم يفهم بعد انّنا لسنا بالضرورة جميعا مؤمنين بما جاء في القرآن الكريم وان اقرّ جميعنا، أو جلّنا، بقيمته كنصّ مليء بالعبر والحكم واشتركنا في الدفاع عن الهويّة الثقافية العربية الإسلامية للشعب التونسي من منظور عقلاني تقدّمي، فيما يخصّنا. أتسائل حقًا ان كان السيّد العدّاسي وغيره من الإسلاميين على علم بذلك ام يتظاهرون بعدم العلم به؟

أنا شخصيًا، أغتنم هذا الجدال،الذي أرجو ان لا يكون عقيمًا، كي ابعث برسالة الى من مازلنا نعتبر أنّهم، وغيرهم، شركاء لنا في هذا الوطن رغم اختلافنا معهم. يا ايّها الإسلاميّون الذين تقولون أنّكم معتدلون وديمقراطيّون وتؤمنون بحقّ الإختلاف ويكرّر قادتكم صباح مساء انّه لاخوف منكم اذا وصلتم الى الحكم وأنّكم لن تضطهدوا أحدًا في حرّياته وسلوكه وأسلوب حياته، لقد حان الوقت لتوضّحوا وتحسموا مواقفكم. هل أنتم مستعدّون للنضال مع العلمانيين من موقع الندّية والتواضع والإحترام المتبادل لأفكار وقيم الغير أم انّكم مازلتم غير جاهزين لذلك؟ فأن كنتم مستعدّين فليتوقّف بعضكم عن نكران العلمانيين والحديث عن العلمانية كانّها وباء تجب مقاومته أو كأنّها رديف للإلحاد المعادي للدين والتديّن، وعندها مرحبًا بكم شركاء للعلمانيين الديمقراطيين الوسطيين من أجل تحرير هذا الوطن والعيش فيه سويّة، في كنف الإحترام والتسامح والتنافس الديمقراطي الشريف بيننا جميعًا. وان مازلتم على إعتقادكم بإحتكار تمثيل هويّة الشعب وبحقّكم في التدخّل في ضمائر الناس وأساليب عيشهم وعلاقاتهم مع الله، فأعلمونا بذلك حتّى يتبيّن لنا الرشد من الغيّ ونحدّد عندها بوضوح أولويّاتنا في النضال وخصومنا في معركة التحرّر من الإستبداد. اذ أنّ من يناضل ويضحّي بالغالي والنفيس في سبيل الإنعتاق من الإستبداد بإسم الحداثة والتقدّم لن يكون غبيًا أو انتحاريًا ليهدي عصارة هذا النضال لمن يضمر الإستبداد به بإسم السماء والدين الحنيف.

هو اذن نداء من تونسي علماني يساري، معتزّ بعلمانيّته وبيساريّته، الى من يعتبرهم شركاء وإخوان له في هذا الوطن، مفاده ان تواضعوا وتنازلوا قليلاً عن مسلّماتكم وإحترمونا يرحمكم الله حتّى نحترمكم ونثق فيكم، ونضع ايدينا في اياديكم دون خوف من غدر أو انقلاب، بما ينفع هذه البلاد وأهلها.

م: ملاحظة للسيّد عبد الحميد العدّاسي، الذي اتّهم في آخر مقالاته على "تونس نيوز"، استنادًا الى نصّ نشر بالفرنسية، السيّدة ميّة الجريبي الأمينة العامّة للحزب الديمقراطي التقدّمي الذي أتشرّف بالإنتماء اليه، بأنّها ممّن حرّضوا على ظاهرة التديّن. ادعوه الى التمعّن في تفاصيل النصّ المذكور وسَيفهم انّ كاتبه تحدّث عن انّ "بعض" الأشخاص قد حدّثوه عن قلقهم من "تأسلم" النظام التونسي، وهو ما يعني انّه ليس جميع من حدّثوه قالوا ذلك. كما استغرب موقف السيّد العدّاسي الذي عوض ان يعمل بما جاء في الآية الكريمة التي تقول "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة"، سارع الى وضع السيّدة الجريبي في قفص الإتّهام دون ان يكلّف نفسه عناء التثبّت والتبيّن، بما يدلّ على مدى تغلغل الأفكارالمسبقة والتهم الجاهزة عند البعض من اسلاميّينا، وسوء ظنّهم غير المبرّر بشركائهم في المعارضة والوطن.

7 Comments:

Blogger علماني said...

j'ai répondu à ton commentaire ici : http://tunisielaique.blogspot.com/2007/09/blog-post.html

et il y a un nouveau post sur mon blog : http://tunisielaique.blogspot.com/

je reviendrai pour commenter ici.

الجمعة, نوفمبر 02, 2007 4:52:00 م  
Blogger mahéva said...

J'ai évoqué une autre problématique sur la laïcité mais je ne pense pas que ce soit totalement hors sujet
http://lesraisinsdelacolere.blogspot.com/2007/11/blog-post.html

الأربعاء, نوفمبر 07, 2007 11:11:00 ص  
Blogger Adem Salhi said...

هناك مسلمات لدى الاسلاميين لا يمكنهم التخلي عنها لان ذلك من باب الكفر عندهم؛ عدم التخلي عنها يجعل تعاملهم مع غير المسلم امرا مستبعدا رغم محاولات البعض اقناعنا بان الاسلاميين قد تغيروا وصاروا جاهزين للعبة الديمقراطية

الثلاثاء, نوفمبر 13, 2007 8:26:00 م  
Blogger Sonya said...

أشكرك غسّان على دفىء الياسمين الذي خلّفه مرورك بمدونتي ...
إنّي رغم صمتي من أشّدالمتابعين لتحت الياسمين في الليل...
وإتهنّا هاني من هوني إنعسّ على الحانوت

(أعتذر عن هذا التعليق الخارج عن موضوع التدوينة )

الخميس, نوفمبر 22, 2007 6:31:00 م  
Blogger الكاتب said...

أهلا بكم وعذرا عن تأخّري في الإجابة،

- علماني: شكرا على مرورك، لقد قمت بدوري بالتعليق على تدوينتك المذكورة

- ماهذا: موضوع مهمّ، سأحاول المشاركة فيه متى سنحت الفرصة

- آدم: أهلا بك، تسعدني "رؤيتك" من جديد. لم أفهم جيدا كلامك، هل يمكنك ان توضّح أكثر من فضلك؟

- سنية: مرحبا بك يا صديقتي. أنا الذي أشكرك على دفئ وبراءة مدوّنتك. شكرا على متابعتك وعلى حرصك على "الحانوت"
:-)

الاثنين, نوفمبر 26, 2007 1:24:00 ص  
Anonymous إسلامي جزائري said...

أشكرك يا غسان على مقالك وأنا أؤيدك فيما ذهبت إليه، المواطنة سميت كذلك لإنها تعني الانتماء للوطن لا لعرق أو دين أو طائفة،من الإسلاميين من يعتبر غير المسلمين من المواطنين مواطنين من الدرجة الثانية أو هم حشرات ينبغي إبادتها أو تحويلها إلى الآدمية بدخول الإسلام....
غريب أمرهم والله، وعندما يتعلق الأمر بالمسلمين في الغرب تجدهم خبراء في نصوص حقوق الإنسان بل ويسبقون الغرب في قواعد الديمقراطية...

الأربعاء, ديسمبر 09, 2009 2:43:00 م  
Anonymous غير معرف said...

Me gusta mucho su sitio. Excelente contenido. Por favor siga publicando cotent tan profunda.

الاثنين, ديسمبر 20, 2010 6:16:00 م  

إرسال تعليق

<< Home