الجمعة، أكتوبر 05، 2007

الحكومة تكذب عيني عينك



على خلفية صفحة "الهيرالد تريبيون" عن التعليم في تونس، هل تعتذر "لابراس" لقرائها؟
الإعلام الحكومي.. والتضليل عيني عينك
بقلم: اياد الدهماني




طلعت جريدة "لابراس" الحكومية الصادرة باللغة الفرنسية، في طبعتي يومي الأحد والإثنين 23 و24 سبتمبر على قرائها بمقالين طويلين عريضين، يفيضان فخرا واعتزازا -اتضح فيما بعد أنهما لا يستندان إلى أي أساس صحيح- بمناسبة تخصيص صحيفة "الهيرالد تريبيون" الأمريكية لصفحة كاملة للإشادة بإنجازات الحكومة التونسية في قطاع التعليم، الامر الذي دفع ببعض المشرفين على عدد من المواقع التونسية على شبكة الانترنت (وخاصة موقع "نواة" المحجوب في تونس ) إلى البحث عن الأصل الأنجليزي بغية نشره. إلا أن عمليات الاستجواب المتكررة لمحرك بحث موقع الصحيفة الأمريكية الالكتروني لم تعط أي نتيجة، ليتبين في الختام، وبالأدلة القاطعة، أن "الهيرالد تريبيون" لم تنشر أي مقال صحفي يشيد بوضع التعليم في بلادنا، وإنما باعت مساحة إعلانية بحجم صفحة كاملة حول التعليم في تونس، وهو الأمر الذي تؤكده زيارة سريعة لصفحة الواب التي تخصصها "الهيرالد تريبيون" لأجندة الإعلانات على صفحاتها، بحيث يتطابق الحجز الإعلاني مع تاريخ صدور "الإعلان/المقال" .


إن كنت لا تدري فتلك مصيبة، أو كنت تدري فالمصيبة أعظم،

إذن، هكذا نكتشف، أن الصحفيين الأمريكيين، خلافا لما روجت له جريدة "لابراس" الغراء، وغيرها من وسائل الإعلام الحكومية، والنصف حكومية، لم ينبهروا بمستوى التعليم في تونس، ولم يقولوا، لا سرا ولا جهرا، أن التعليم في بلادنا "عصري، فعال ومستقبلي"، ولا أن النظام التعليمي عندنا "جاهز لمواجهة التحديات"، وأن كل ما في الأمر حملة دعائية مدفوعة الأجر، كتلك التي تقوم بها شركات مستحضرات التجميل أو الملابس الداخلية أو غيرها لا أكثر، سواء كان ذلك من جيب الحكومة (بالأحرى المواطن التونسي) أو من جيب فاعل خير مجهول، قادر على دفع مبلغ يعادل 107 آلاف دينار بالدولار الأمريكي، ويعنيه بشكل خاص تلميع صورة آداء حكومتنا في هذا المجال. مما يجعلنا نجد أنفسنا أمام احتمالين كلاهما مفزع، فإما أن جريدة "لابراس" الغراء لم تكن تعلم أن الحكاية وما فيها مجرد إعلان اشهاري مدفوع الأجر وبالتالي فإن هذا الجهل بخبايا الأمور، من طرف الصحيفة الحكومية سيلقي ظلالا كثيفة من الشك على الآداء الإعلامي لأهم مؤسسة صحفية حكومية مكتوبة، حيث لم تكلف نفسها حتى عناء أبسط قواعد التحري قبل قرع طبول الفخر والإعتزاز وهو ما يعني أيضا أنه سيكون من الواجب عليها الإعتذار لقرائها عن مثل هذا الخطإ الفادح، من باب النزاهة المهنية على الأقل.

أما الإحتمال الثاني والأخطر، فهو أن تكون الصحيفة على علم بخبايا الأمور، وهو أمر يرجحه الكثيرون، مما يعني أنها قد تكون انخرطت بشكل واع في عملية التضليل. بحيث يتم إيهام التونسيين أن العالم يولي اهتماما كبيرا لانجازات التعليم في تونس ، بينما قد لا يتجاوز الأمر مجرد عملية احتيال رمزية يتم تمويلها من جيب المواطن المسكين، الذي سيكون عيه أن يدفع أولا، ثم يصفق ثانيا.

التلميذ التونسي في المرتبة الأخيرة،

أما إذا عدنا إلى مناقشة محتوى الصفحة الإعلانية، المطابق بشكل يكاد يكون حرفيا لخطاب الدعاية الرسمية، فإن عددا من الملاحظات تسترعي انتباهنا فكاتب "الإعلان/المقال"، ينسى أن يخبرنا أن آخر تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE، حول التعليم في بلادنا جاء في إطار مشروع PISA لقياس قدرة التلاميذ على حل المسائل، وينسى بالتالي أن يخبرنا أن هذا التقرير الصادر في 2004 يضع مستوى التلميذ التونسي في آخر ترتيب قائمة تضم 40 دولة تم اختبار تلاميذها في إطار هذا المشروع، متأخرا بشكل كبير عن مستوى تلاميذ دول نامية أخرى مثل سلوفاكيا، والمجر، وبولونيا، وصربيا، والأوروغواي، وتركيا، والبرازيل، واندونيسيا إلخ. مما يجعلنا نتساءل عن مدى نجاح هذا النظام التعليمي، الذي يفشل في إعطاء تلاميذه الدرجات المعرفية اللازمة لحل مسائل رياضية ومنطقية، حيث نجد أن 5 بالمائة فقط من التلاميذ التونسيين ينجحون في الإجابة بنجاح على مسألة من مسائل إختبار PISA ذات مستوى صعوبة من الدرجة الثانية أو الثالثة حسب سلم تقييمات المشروع، في حين تتجاوز هذه النسبة الـ70 بالمائة في كل من كوريا وفنلندا وهونج كونج واليابان، ويبلغ متوسط هذه النسبة لاجمالي الدول المشاركة الـ50 بالمائة.

ولا نتصور أن أحدا يمكن أن ينفي أن تحديد قدرة التلاميذ في منظومة تعليمية ما على حل المسائل الرياضية والمنطقية، إنما هو مؤشر أساسي في قياس مدى نجاح هذه المنظومة. مما يضع خطاب الزهو الحكومي من جديد في مربعات الإستفهام.

أما التناقض الثاني، فمأتاه أن "المقال/الإعلان" يمتدح النظام التعليمي في تونس من خلال الإشارة مثلا إلى أن تونس "تصدر الأطباء والمهندسين إلى جنوب اقريقيا وأوروبا"، وهو أمر صحيح ليس بوسع أي كان إنكاره، غير أن ما يتم التغافل عنه هو أن هؤلاء لم يدرسوا في "مدرسة الغد" التي تمثل منذ سنوات المحور الأساسي في خطاب الحكومة في علاقة بإصلاح التعليم، وإنما في نظام تعليمي سابق، بل في نفس النظام التعليمي السابق الذي تعطي عنه "الخطة النتفيذية لمدرسة الغد 2002-2007" صورة سلبية، حيث تشير هذه الخطة في تقييمها له إلى أنه "مطبوع بـضعف مردود المؤسسة التربوية"، و"بضعف مكتسبات التلاميذ"، و"بالمركزية المفرطة في تسيير النظام التربوي"، إضافة إلى "غياب الإحتراف"، و"غياب الثقافة التقييمية". مما يجعلنا أمام ازدواجية في الخطاب وفي التقييم في علاقة بالنظام التعليمي السابق لخطة مدرسة الغد.

الأكيد هو أن مسألة التعليم لأهميتها، تستحق حوارا وطنيا، وكان من الجدير إبعادها عن دائرة الدعاية السياسية، وتشريك كل الطاقات في صياغتها وتقييمها، من حيث أنها ترسم الطريق الذي نريده للأجيال القادمة، كما أنه لا شك في أن عددا من الإصلاحات التي تم إحداثها كانت في محلها - على الأقل في التصور النظري وعلى الورق- مما يعني أنه لابد من متابعة مردودية هذه الإصلاحات من خلال انخراط كل الأطراف في تنفيذها. أما أن يتم إنفاق 107 آلاف دولار لإيهامنا بأن جريدة أمريكية تعترف بإبداعات الحكومة في هذا المجال، فهو أمر لا يعدو أن يكون مجرد ضحك على الذقون، حيث كان من الأحرى استعمال هذا المبلغ لتعزيز العائلة التربوية بطاقات تعليمية جديدة، ولم لا فض مشكلة الأساتذة المتعاونين الذين تم طردهم مؤخرا، بدل محاولة إيهامنا بانتصارات وهمية.

(المصدر: موقع pdpinfo.org بتاريخ 3 اكتوبر 2007)

1 Comments:

Anonymous غير معرف said...

gassan rabi m3ak et merci

السبت, أكتوبر 06, 2007 6:05:00 ص  

إرسال تعليق

<< Home